أمِّي ...بقلم ريتا الحكيم / سوريا

 كانت أمِّي كلَّما تبلَّلت سراويلُ الحكايا

تُعلِّقُني بقرطَيها

تُشمِّسُني كالزَّبيبِ في دوالي قهرِها

وتوثِقُني بأساورِها حتى يجفَّ التينُ على مِعصَمَيها

ثمَّ تنشرُني على حبالٍ بنكهةِ إكليلِ الجَّبل

نتراشقُ الدَّمعَ ونَرشُّه توابلَ 

على غمامٍ لم يقتنعْ يومًا بصوابِ رؤانا

ما زلتُ إلى الآن مُعلَّقةً هناك 

منذُ آخرِ عِناقٍ

أجمعُ الزَّبيبَ والتِّينَ في سِلالِ الغِياب

*

كانت أمي تصنعُ كعكَ العيدِ 

تحشوهُ بأحبَّةٍ لها 

تصفُّهُ على صدرِها.. 

وعلى لهيبِ شوقِها تخبزُهُ

ترُشُّهُ بحلاوةِ الرُّوحِ لحظة إياب

وتبدأُ بفرزِهِ حسبَ أولوياتِ احتراقِها على نارِ الانتظار

كنتُ الجوكر دومًا

أجدُني نسخًا مكرَّرةً في كلِّ دور

آه يا أمِّي..

لم أكن أعلمُ أنني أحتلُّ أنحاءَكِ كلَّها

وأنني كنتُ زنجبيلًا تنثُرينَهُ على موائدِ وحدتِكِ العامِرة

*

كانتْ أمي تغمزُ للشّمسِ

فتهوي في حضنِها حبَّاتُ الرُّمانِ والتُّوت

يلتئمُ الجيرانُ حولَها ويتخاطفونَها 

ترشُّ على زعترِ فرحِها ضحكاتِهم 

كفراشِ الرَّبيعِ تحومُ حولَهم

تطوي مناديلَهم المبلَّلة.. تُخبِّئُها في عُبِّها 

وتصنعُ منها صررًا تحشوها بالبنفسجِ

وتُعلِّقها على مِقبضِ الرُّوحِ

تُلوِّح لعابري المُقَلِ 

فيأتون إليها مُضمَّخينَ برائحةِ الزَّيتونِ

تُحصي حبَّاتِ الرَّمل العالقةِ على نِعالِهم

لتُطرِّزَ بها دانتيلا البداياتِ 

وأكفانَ النّهاياتِ 

وحينَ تُخشخِشُ خلاخيلُ السَّماء مُتذمِّرةً

تغرزُ إبرتَها في صهيلِ الماء 

فيجثو الوسَنُ اللجوجُ على رمادِ أجفانِها

لا هو يؤوبُ ولا هي تفيق

*

كانت أمِّي في عيدِها 

تضعُني في قلبِها 

وتلفُّهُ بشرائطَ من حُبٍّ

وبيدِها الحانيةِ تُخفيهِ عن العُيون في خزانةِ ملابِسِها

هناكَ.. تتسلَّلُ إليَّ جحافِلُ الوسَن 

أستسلِم لهُ صاغرةً وأستكينُ في أحضانِه 

رحلتْ أمِّي..

ولكنَّني مازلتُ حيثُ تركَتْني 

منذُ آخرِ عيدٍ لها أتمرَّغُ بعطرِ ملابسِها

وأُحصي ضرباتِ قلبِها بين صَحوةٍ وأخرى

18/2/2017

#ريتا_الحكيم



أمِّي ...بقلم ريتا الحكيم / سوريا Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 18 فبراير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.