سأعبرُ بصبري إلى اللهِ..ميرفت أبو حمزة/ لبنان
سأعبرُ بصبري إلى اللهِ
_________________
الطريقُ عريضٌ
وهذهِ ليستْ خطواتي
ثمَّةَ مَنْ يمشي بأقدامي؛
ساقُ أحلامي التي بترَتْها الحربُ
تترُكُ أثرَ حافرٍ بريٍّ يعدو كالفريسةِ
سأستعيرُ قدماً كبيرةً بعرضِ الطريقِ
سأثبُ في كلِ الجهاتِ
كي لا تقتفي أثري كلابُهمُ البوليسية
ثمَّةَ مَنْ يريدُ تقيِيدَ خطواتي
وأنا سأدافعُ عن حريتي بأسناني
الفخُّ تلوَ الفخِّ وكم أكرهُ دورَ الضحيةِ
يلوّحونَ لي بسنابلِ القمحِ وخلفَهم نارٌ
أيها القمحُ تمعّنْ .. هذا ليسَ خُبزي
إنها الجزرةُ التي ساقوا بها الحمارَ
ليحرثَ أرضَ المارغوانا والقنّبِ
كي أجيدَ صياغةَ النُّكاتِ في الطوابيرِ
وأنتَ أيُّها الطابورُ :
ذاكَ الذي فيكَ ليسَ جسدي
إنه مسيحُ إنتظارٍ أمامَ جَلَدِ الصبرِ
لن يكونَ جسداً إلا إذا أخذَ جرعةَ مخدِّرٍ
وأنا أحتاجُ كثيراً لعقلِي
يا صبرَ أيوبَ .. قد ننتهي بالجنونِ
قبلَ أن يخصُدَنا الوباءُ !
هذه الحكوماتُ لا تريدُنا عقلاءَ ولا أصحاءَ
سلبتنا بحُجَّةِ القضيةِ
شغلتنا عنِ الأوطانِ بالرغيفِ
ياااه .. منذُ زمنٍ وأنا أعلمُ
بأنَني سأموتُ مِنَ الجوعِ والظمأ
لكنهَم لَمْ يتركوا لي موضعَ بئرٍ إلا وجعلوهُ خندقاً
ولَمْ يتركوا بيدراً إلّا وأحرقوهُ
أيها العطشُ : هذا الذي تراهُ ليسَ دمعي
إنه تعبُ الطريقِ إلى أرائِكِ الغيمِ
وقد رعفَ من عينيّ
فَمَنْ يشتري أمعائي الخاويةَ وعينيَّ
أريدُ أنْ أنامَ طويلاً ريثَما ينفذُ عمري
هذهِ البلادُ تريدُنا نياماً
مع أنها تكرهُ الشّخيرَ والأحلامَ ..
لم يبقَ ما أخافُ عليهِ مِنَ اللصوصِ
سأنامُ عميقاً عميقاً دونَ أن أتنفسَ
أريدُ أن أغيبَ عن الوعي
كي أجربَ الرقصَ والجنونَ
في مسرحِ الحلمِ الأخير
أيها الخمرُ أعِرْني ثمالتَكَ
هذا ليسَ قدحي
إنها راحةُ كفي التي حنّطَها الدعاءُ
إِنسكِبْ في فمِي أو في دمِي
سيَّان أنتَ والدعاءُ ..
يا رحمةَ اللهِ .. يا رحمةَ الله
ثملنا مِنَ الدماءِ والبكاءِ
وأنتم أيها المشَّاؤونَ في دمِي ألَمْ تتعبوا
يا مَنْ تحملونَ الدبابيسَ والمساميرَ
إنها ليستْ دروباً آمنةً ..
إنها أوردَتِي التي قد تتفجرُ في أيِ لحظةٍ
آه يا ضياعي لم تكُنْ هويّتي ..
إنَها بطاقةُ ذلٍّ كي أنزفَ عمري مخنّثةً
وأهدرَ ما بقيَ مِنْ كرامَتي
كي أبدو من الأبناءِ الأنبياءِ
وأنتَ أيها البحرُ الهائجُ
من كثرةِ اللاءاتِ
تلكَ المسافرةُ فيكَ لَمْ تَكُنْ سفينَتي
إنهُ نعشي يُنفِّذُ وصيةَ دفني
خارجَ حدودِ هذهِ البلاد
هو ذا الربيعُ يا اللهُ يُحتضَرُ
تجرُّهُ العصافيرُ كجثّةِ يافعٍ في زرقةِ المدى
تجرهُ فوقَ نهيدِ الحقولِ البعيدة
يزحفُ بالرمق الأخير إلينا
يزحفُ وما ظلَّ قمحٌ بين يدينا
يا رفاقُ " اللا "
خذوا عن عاتقِي بعضَ الكلام
وامنحوني كفافَ حقلي
وأنا سأمنحُكم ما خَبّأهُ الحمامُ
سأمنحُكم كسرةَ خبزٍ من رغيفِ المسيحِ
سأمنحُكم ما جمعَهُ النملُ تحتَ الحجرِ
فعندي بعضُ الكلامِ المؤجل
وعندي قلمٌ ومعولٌ ومنجلٌ
سأعبرُ إلى اللهِ فوقَ جسورِ اللغات
نحوَ آخرِ غيمةٍ بهذا الشتاءِ وأبْقُرُ رحمَها
سأهبطُ وحدي قربَ يمٍّ
لم يشربْ منهُ زنادقةُ البلادِ
سأُعبِّئُهُ في كلِّ جعبةٍ مسافرةٍ
الأرضُ والماءُ والسماءُ والهواءُ ملكٌ لنا
فمَنْ يحاربُ معي من أجل ما لَنا
سأبني حصاناً
خلفَ قلاعِ الكناياتِ المحاصرة
وأدخلهُ أخيلاً من مجازٍ مُصفّىً
فقد توارَى خلفَها
ألفُ جيلٍ محنَّطٍ منَ الرفضِ
سأشجبُ كلَّ الحدودِ التي مزقتني
وأرتدُّ عكسي ..
سأبتسمُ لكلِّ المجانينَ
الذينَ تفجروا بصدقِ الكلامِ
وأبتسمُ لكلِ الذينَ غنُّوا
بحطامِ الحناجرِ
وأبتسمُ لكلِّ الذينَ ماتوا قبل أنْ يولَدوا
ولكلِ الذينَ يعتقدونَ أنَّهم أحياءٌ
ولكل الذين جاعوا وعطشوا ونزفوا
وأبتسمُ في وجهِ النزوحِ وبردِ الخيام
للشظايا .. لسوءِ النوايا ..
للموتِ .. للبيوتِ
للمقابرِ .. للمحابرِ
للجوعِ .. للرجوعِ
عندي نفَسٌ طويلٌ كي أنفخَ
في كلِّ الصدورِ المختنقةِ
إلى أنْ تصيرَ ناياً أو مزماراً
وإنْ كنَّا سنسقطُ
فلا بدَّ مِنْ سقوطٍ مُدَوٍّ فوقَ هذا الركام
أريدُ أنْ أدوخَ بقدميَّ بكلتا يديَّ
وأرقصَ فوقَ حطامي
أريدُ موتاً يليقُ بجناحَيْ نِسْرٍ
وأنا أعدُكم بأنْ أسقطَ كاللحْنِ
في نسقِ النشيدِ العتيدِ
________________
ميرفت أبو حمزة
من ديوان " أساور الماء"
ليست هناك تعليقات: