قراءة في مسرحية مصطفى و السلطان بقلم محمد زادة / سوريا

 ( إن أخطاء الأنسان فانية ، كذلك مزاياه ، ولكن رحمته تجاه الآخرين خالدة ) حوار من ضمن المسرحية / صفحة 145 / 

..... 

تبقى الترجمة الأكثر صعوبة هي الترجمة الأدبية لأنك أمام كمٍّ هائل من المشاعر وعليك تمريرها بسلاسة وجمالية  يترتب عليك أن تفعل هذا حتى مع مشاعر القبح والشر إنها من وجهة نظري المهنة والموهبة الأكثر خطورة وحساسية وهي الجسر الوحيد بيننا وبين العالم الذي حوّلته الترجمات إلى قرية صغيرة ، فكم كنا سنشعر بالحزن والنقصان لولا صالح العلماني في رائعته / مائة عام من العزلة /  وأحمد العلي الذي عرّفني على / بول أوستر وسويفت وشافاق ومكيوان وسامي الدروبي الذي نقل لنا روائع الأدب الروسي / دوستويفسكي وتولستوي / وخالد الجبيلي وأحمد الصمعي وجمال الجلاصي الذي نقلنا  بترجماته وأتحفنا مؤخرآ  بشاعر عظيم / ليوبولد سيدار سنغور / 

ومئات المترجمين الذين أنتقوا لنا بعد قراءاتهم الطويلة أجمل الأعمال وغامروا في ترجمتها رابحين الرهان بموهبتهم الفذة على الصناعة الأدبية واليوم تنضم إلى هذه القائمة العريقة مترجمة شابة لم تبلغ الثلاثين بعد لتقدّم للمكتبة العربية عملآ كان من المفترض أن نقرأه قبل ثلاثين سنة في المرحلة التي قرأنا فيها أدب شكسبير وسبنسر وفيليب سيدني ومارلو وجونسون لكننا لم نقرأه حينها لأن الشابة المترجمة لم تكن حينها رغم أن هذا العمل المسرحي المشغول بطريقة ذكية وشاعرية أحيانآ لحد التأمل وكأن شاعرآ كتبها ، هو ببساطة عمل يحمل روحآ لم تمت منذ العصر الأليزبيثي بل تتجدد في كل عصر وبأدوات مختلفة وذهنية جديدة ففي الوقت الذي رأينا فيه شبح والد هاملت يطلب من هاملت أن ينتقم له من عمه تأتي إلينا ندى محمد بقصة أكثر واقعية وأقرب لنا من هاملت وهي قصة الملك الذي يقتل أبنه خوفآ على العرش منه لتسير الأحداث في خط شيّق يقدم لنا صراع البقاء والخوف الذي يخلّفه في النفوس لتسير الأحداث بعقلانية فذة في غياب العقل المنطقي والذي قد يمنع هكذا مجزرة .

في الصباح وصلني الكتاب بالبريد من فرنسا وبعد يومين قرأت المسرحية بشعور لا يختلف عن قراءة أي مادة وقلت سأنتهي منها في ساعة لاسيما لم يشدّني العنوان ولم تعجبني أسماء الشخصيات لأسأل نفسي لماذا هذه الأسماء / الملك سليمان وروسا الملكة وابن الملك مصطفى ثم كامينا أبنة الملك / فهل يُفترض من تغيير الأسماء ربطها بثقافات أخرى غير الإليزابيثية لكنني ومع القراءة و الساعات التي قضيتها مستمتعآ في فلسفة الأحداث بطريقة مميزة جعلت الدكتاتور بهذا الضعف وهذه القوة والخوف من الحب الذي يُحاط به الأبن من الرعية لتدور الأحداث في سياق تراجيدي عظيم لتنتهي بمثول الأبن لرغبة أبيه في قتله ليثبت له صدق نواياه ، الأمر الذي لفت انتباهي بشدة هو نهاية الكاتب نفسه فولك غريفل الذي قُنل على يد خادمه بطلب منه كما قرأت في بعض المصادر وطلب منه أن يكتب على قبره / ضريح فولك غريفل /  لكن في مصادر أخرى ذُكر بأنه قُتل بسبب تجاهل أسم الخادم في الوصية ، ولكن إذا صحّت الرواية الأولى لمقتله فهو كاتب أنهى حياته بالطريقة التي أنهى فيها حياة بطله مصطفى  أبن الملك وهي المثول والولاء لأن يكون الضحية ، كثيرة هي الأفكار التي تحيكها أحداث المسرحية ولكن بفلسفة عميقة ومثول رهيب لطاقة الشر والأشباح التي تقودها في الخفاء ، قوة الشر الغيبية والتي ينصاع لها الملوك ورجال الدين والحاشية ، إنها روح الأساطير الرومانية والأغريقية روح سوفوكليس في أوديب ملكآ بأن يحقق نبوءة بأنه سيقتل والده ويتزوج من والدته الجميلة جوكاستا ، هذه الروح نراها في مسرحية مصطفى والسلطان ولكن في قصة أقرب بكثير للواقع عن سابقتها الأسطورية لكن روح الشر والخفاء هي نفسها في كل تلك الحكايات .

ينتمي فولك جريفل أو غريفل الى العصر الإليزابيثي نسبة الى الملكة اليزابيث الأولى هذا العصر شهد أزدهار الأدب والمسرح متأثرين ب سينيك واعماله التي ترجمت حينها لكنهم اختلفوا عنه في مشاهد إظهار العنف والدم على المسرح الشيئ الذي جعل المشاهدين يخافون بشكل كبير .  

ان تترجم كتابأ أصعب بمئات المرات من أن تكتبه فأنت أمام روح متكاملة في لغتها وعليك نقلها إلى لغة جديدة بروحك أنت مع الحفاظ على روحها الأصل ، فالترجمة مغامرة كبرى تبدأ لحظة أختيارك للنص الذي تود ترجمته وتستمر وتتصاعد كلّما تصاعد الصراع لتزداد تعقيدأ في مراحل ما تتطلب من المترجم أن يسلخ النص من لغته وبيئته ليضعه في بيئة نستطيع تصوّرها كما ينبغي ، اي تجريده من محلّيته ليصبح ممكنآ في كل بقعة من الأرض .

 نجحت ندى محمد أن تقدم للقارئ العربي نصأ يوازي نصوص شكسبير قوة وأعتبره هدية ثمينة للقارئ العربي  الذي سينتبه فورآ لذكاء المترجمة في أختيارها لعمل دارت  أحداثه في أروقة قصور أغلب الدول العربية ولكن بطريقة تقليدية تفتقد إلى هذه الحكمة التي أُطلق عليها هذا المسمّى / حكمة الشر / والأستسلام لقوة الفتنة التي لا اساس لها في الواقع 

هذا العمل هو إضافة هامة لمكتبة المسرح العربي وهو إضاءة لثورات الربيع العربي التي أنتفضت على قوى الشر في العالم العربي ، شكرآ ندى للأهداء الجميل الذي كتبتيه لي وشكرآ على هذا الجمال .

مسرحية مصطفى والسلطان للكاتب الأنكليزي فولك غريفل ترجمة ندى محمد .

ندى محمد مترجمة سورية وموسيقة صاحبة صوت جميل ومميز و عازفة عود .




قراءة في مسرحية مصطفى و السلطان بقلم محمد زادة / سوريا Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 27 مارس Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.