مجرّد احتراق...هيثم الأمين/ تونس

 مجرّد احتراق

ـــــــــــــــــــــ

كما شاعر لا محلّ له من الدّهشة

عشّشتْ عناكب الصّمت في زوايا أصابعه؛

أحترقُ.. ولا أُضيء

كلّما سَكَبْتُ اللّغة على صوتي الجافّ ثمّ أُضرمتُ فيه المجاز...

صوتي فتيل يشعله دفتر تعوّد الأدوار الصّامتة

ليصفّق لفرقعة القصائد! 

تَسري في صوتي شعلة الصّفحات البيضاء

ولكن.. أحيانا، لا تفرقع القصيدة

فيندلع في صدري البكاء 

وتتصاعد ألسنة الصّراخ في حنجرتي

فتختنق عصافير شفتيّ بدخان المعنى

وتطير.. وتطير

لتحطّ، في النّهاية، على فروع قُبلة صغيرة:

قُبلة تركتها حبيبتي على ضفاف لهفتي 

وذَهَبَتْ 

لتُنشئ من ألوان أحلامها 

زوارق 

تجتاز بها بؤس العالم...


كانت وجوه الشّعراء حافية

وكان.. وجهي

يعجّ بالفضائح!

لهذا طردوني – الشّعراء – من محفلهم

وأعلنوا رأسي طريقا خطيرة لا يسلُكُها إلّا المنطفئون!

على الرّكح

وفي الصّفوف الأولى

كان هناك شعراء يرتدون اكسيسوارات تجعلهم يضيئون!

كانوا يضيئون و لا يحترقون!

في الصّفوف الأخيرة،

حيث العتمة تحكم بالعدل بين الوجوه،

كان هناك شعراء يحترقون!

وكانوا لا يضيئون

 كما الشّعراء الذين رأيتهم يحرقون دواوينهم، 

على رصيف الشّتاء، 

لتتسلّل أحضان حبيباتهم من القصائد إلى صقيعهم!

كما بخور يحترق في مجامر زاوية وليّ صالح

كانوا يحترقون

ولكن بلا روائح تكشف أسماءهم للوعول التي تطارد شبقها على مدى قصيدة طويلة لشاعرة بتنورة قصيرة جدّا!

وأنا.. حتّى شعراء الصّفوف الأخيرة قد طردوني

لأنّي بلا حوافّ تصلح لفتح زجاجات البيرة

ولأنّ يدي اليسرى يحدث أن تصافح يدي اليمنى

وثلاثتنا يبتسم لكميراوات الحراسة 

التي زرعوها في الأزقّة 

خوفا على العشّاق من القبلات الخاطفة! 


كما شاعر لا محلّ له من الدّهشة

ووجهه يعجّ بالفضائح

أتذكّر أسماء كلّ الشّعراء الذين عملوا فزّاعات قشّ في حقول القمح

ثمّ ماتوا جوعا لأنّ الخبز لم يتذكّر عناوينهم..

أتذكّر أسماء الشّاعرات اللّواتي مُتْنَ عذراوات لأنّ قصائدهنّ لم تكن غابات صالحة لمعارك الوعول

وأتذكّر القبلة الصّغيرة التي كبرت على ضفاف لهفتي

في غفلة من حبيبتي و هي تعبر بؤس العالم على متن زوارق من ألوان

وأحترق

دون أن أشتم الشّعر و الشّعراء،

دون أن أصرخ،

ودون أن أضيء

فقط، أبتسم لكاميرا مراقبة تطارد عاشقين في العتمة...



مجرّد احتراق...هيثم الأمين/ تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 01 مايو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.