وكيفَ للخيالِ في حضرتِها أن يبقى على ألحيادِ ؟! بقلم محمد صالح غنيام فلسطين
( إلى تلكَ ألتي قالت لي : أنتَ كنتَ لي كلَّ البدايةِ ولا أريدُ من ذياكَ الحبِ الذي ذبحني من الوريدِ إلى الوريدِ وصلبني على أسوارِ الوهمِ عمراً من الأنينِ إلا القليلَ القليلَ , أريدُ أنْ أكونَ شهقاتِ المطالعِ وليس كلَّ ألقصيدةِ , أريدُ أن أكونَ بدايةَ السطرِ الأولِ وليسَ كلَّ الأقصوصةِ , أخافُ عليكَ من هذا الزمنِ الأصفرِ كوجهِ سفرجلةٍ داهمتها سنابكُ أيلولَ , أخافُ عليكَ مني أنا , من تلكَ المتقلبةِ المزاجيةِ كالموجِ الجموحِ , أخافُ عليكَ منْ كلِّ قادمٍ لم أتوقعْهُ , من نوبةِ جنونٍ آنيةٍ قد تعصفُ بي , تجعلُني أختفي دونَ سابقِ إنذارٍ في الزحامِ فلا تسمعُ مني بعدها شيئاً , ستشتاقُ حينئذٍ أن تسمعَ بُحةَ صوتي كلما يطوقُكَ السكونُ بأفيائِهِ , وأن ترى ظلالِي تتراقصُ مع ظلالِ الصفصافةِ العجوزِ على ضفافِ الجدولِ الذي جفَّ منذُ هجرتْهُ الطيورُ والأنسامُ , وستتمنى مع كلِّ انكساراتِكَ وتدعو بكلِّ ما أوتيتَ بهِ من خشوعٍ أن يزورَكَ خيالِي في بواكيرِأحلامِكِ في ليلةٍ صيفيةٍ على أسطحِ تموزَ , عندها فقط ستعرفُ كم كانَ وسيكونُ غيابي مُؤلماً , لنْ تعودَ حينها كما كنتَ , , فكلُّ أمنياتِكَ قد أنجبتْ من رحمِ الضبابِ السوادَ تلوَ السوادِ , وكلُّ خطواتِكِ قد استدرجَها القدرُ المخاتلُ إلى هوامشِ مشهدِ السقوطِ , وكلُّ المقاديرِ قدْ سارتْ في الإتجاهِ المعاكسِ لنبضِ خافقِكَ ولبوصلةِ روحِكَ , فلنْ يتبقى لكَ إلا أن تُلَقِّمَ بقاياكَ الملقاةَ على الجهاتِ الصامتةِ لأكداسِ التيهِ والرمادِ , وأنْ تُشََيِّعَ العاشقينَ الطاعنينَ بالعشقِ فُرَادَى ومجموعاتٍ معكَ إلى تلالِ رياحينِ أجدادِكَ حيثُ يتسكعُ منذُ بَدْءِ البَدْأِ النسيانُ ).
وما زلتُ مذ ذياكَ الرحيلِ أتساءَلُ كلما تذكرتُكِ قابَ خيبتينِ وخريفٍ مما تبقى من سكةِ العمرِ : كيفَ تنهمرينَ على راحتيَّ أنجماً من فضةِ الأسحارِ ؟ وكيفَ تنسكبينَ على خطوطِ يديَّ زخاتِ مدادٍ زرقاءَ حينَ لا يبقى الخيالُ على الحيادِ ؟! فتقفزينَ من كلِّ شيءٍ كما تقفزُ الأرانبُ من قبعةِ الساحرِ , وتتجلينَ في كلِّ شيء , مع البخورِ السماويِّ في أثيرِ الكنائسِ ومع ومضةِ البرقِ على القبابِ النحاسيَّةِ , وتستيقظينَ مع كلِّ شيءٍ , مع الفجرِ في قنِ الدجاجاتِ , ومع زرقةِ اللوتسِ النهريِّ ومع العناقيدِ الحُبلى بالنبيذِ والمتدليةِ من سقفِ الداليةِ , وتتسامينَ من كل شيٍْ , من عطري الباريسيِّ المجنونِ كلما ناداني مقعدٌ فارغٌ إلى حضنِ لقاءٍ , ومنَ رائحةِ الحبقِ في صحنِ البيتِ المهجورِ , وتتوارينَ خجلاً من كل شيٍ , خلفَ آنيةِ زهرِ الأوركيدِ , وخلفَ إيقاعِ بيانو أضاعَ الدوزانَ في الركنِ البعيدِ , وتتموجينَ في كلِّ شيءٍ , في ألوانِ ربطاتِ العنقِ الفاقعةِ , الحمراءِ منها والنيليةِ والصفراءِ , وفي لوحةِ شفقٍ نحاسيٍّ خربشّتهَا ريشةُ الأفقِ الوارفِ أحلاماً على سرايا الغيمِ الأزرقِ قبلَ أن يأتي إلى طررِ الخرافةِ الطوفانُ ...
وما زلتُ مذ ذياكَ الرحيلِ أتساءَلُ كلما تذكرتُكِ قابَ خيبتينِ وخريفٍ مما تبقى من سكةِ العمرِ : كيفَ تنهمرينَ على راحتيَّ أنجماً من فضةِ الأسحارِ ؟ وكيفَ تنسكبينَ على خطوطِ يديَّ زخاتِ مدادٍ زرقاءَ حينَ لا يبقى الخيالُ على الحيادِ ؟! فتقفزينَ من كلِّ شيءٍ كما تقفزُ الأرانبُ من قبعةِ الساحرِ , وتتجلينَ في كلِّ شيء , مع البخورِ السماويِّ في أثيرِ الكنائسِ ومع ومضةِ البرقِ على القبابِ النحاسيَّةِ , وتستيقظينَ مع كلِّ شيءٍ , مع الفجرِ في قنِ الدجاجاتِ , ومع زرقةِ اللوتسِ النهريِّ ومع العناقيدِ الحُبلى بالنبيذِ والمتدليةِ من سقفِ الداليةِ , وتتسامينَ من كل شيٍْ , من عطري الباريسيِّ المجنونِ كلما ناداني مقعدٌ فارغٌ إلى حضنِ لقاءٍ , ومنَ رائحةِ الحبقِ في صحنِ البيتِ المهجورِ , وتتوارينَ خجلاً من كل شيٍ , خلفَ آنيةِ زهرِ الأوركيدِ , وخلفَ إيقاعِ بيانو أضاعَ الدوزانَ في الركنِ البعيدِ , وتتموجينَ في كلِّ شيءٍ , في ألوانِ ربطاتِ العنقِ الفاقعةِ , الحمراءِ منها والنيليةِ والصفراءِ , وفي لوحةِ شفقٍ نحاسيٍّ خربشّتهَا ريشةُ الأفقِ الوارفِ أحلاماً على سرايا الغيمِ الأزرقِ قبلَ أن يأتي إلى طررِ الخرافةِ الطوفانُ ...
يا حُبُ
يا ملحَ الدموعِ الهامياتِ
يا صلاةَ القصائدِ
في محرابِ القديسينَ ...
يا آهةَ كأسِ النبيذِ
المُتْرَعِ بأنَّاتِ اللقاءِ الأخيرِ
ويا تلويحَ قِرْمِزِ المناديلِ
على شبابيكِ الراحلينَ ..
يا بُحةَ شهرزادَ الجميلةِ
في فوضى الحكايةِ
ويا ميسَ الضفائرِ الخجولةِ
على كتفِ ذاكرةِ السنينَ ...
أما زلتَ تتفرسُ في الوجوهِ
على صلصالِ الرُؤى
وتحدقُ في الزقاقِ الطويلِ
بملامحِ العابرينَ ؟؟ ..
أما زلتَ تبحثُ عن القمرِ المكسورِ
فوقَ عنقِ المضيقِ العتيقِ
وعن الرسائلِ المُهملةِ
في بقجِ العاشقينَ ؟؟ ..
أما زلتَ تُعلقُ الظلالَ
على مشاجبِ الغيابِ
وتهدلُ مع الحمائمِ الزاجلةِ
لتؤنسَ ليلَ التائهينَ ؟؟ ..
أما زلتَ تعودُ مع هوادجِ القصيدِ
لتُلْقِمَ الطلولَ حجراَ فحجراً
ومعِ أسفارِ القوافلِ
لتحملَ أسرارَ الغائبينَ ؟ ..
أما زلتَ شقياً كما كنتَ
تفتحُ الطرودَ
وتسرقُ صناديقَ البريدِ
وتتركُ خلفَكَ بصماتِ الحنينِ ..
ليتَكَ أَنْصَّتَ حينها
لأحاديثِنا المبعثرةِ على النافذةِ القبليةِ
لبوحِ وردةِ السورِ
لتراتيلِ زهرِ الياسمينِ ..
ليتَكَ في هدأةِ الغروبِ
عانقْتَ الطفلَ المنسيَّ فينا
وأخذتَ بيدهِ الصغيرةِ
ليهتدي إلى خَطْراتِ الحالمينَ ..
يا حبُ لا تكُ غريباً
كغيتاراتِ الغجرِ المرتحلةِ
كُنْ ناياً رعويَّاً حنوناً
يناجي برقتِهِ الساهرينَ ..
يُلَمْلِمُ نثارَنا الأثيريَّ
من مَهَبِّ الشهقاتِ
ويفتحُ بوابةَ الريحِ كي نعودَ
على غيرِ ميعادٍ مع العائدينَ ..
يا ملحَ الدموعِ الهامياتِ
يا صلاةَ القصائدِ
في محرابِ القديسينَ ...
يا آهةَ كأسِ النبيذِ
المُتْرَعِ بأنَّاتِ اللقاءِ الأخيرِ
ويا تلويحَ قِرْمِزِ المناديلِ
على شبابيكِ الراحلينَ ..
يا بُحةَ شهرزادَ الجميلةِ
في فوضى الحكايةِ
ويا ميسَ الضفائرِ الخجولةِ
على كتفِ ذاكرةِ السنينَ ...
أما زلتَ تتفرسُ في الوجوهِ
على صلصالِ الرُؤى
وتحدقُ في الزقاقِ الطويلِ
بملامحِ العابرينَ ؟؟ ..
أما زلتَ تبحثُ عن القمرِ المكسورِ
فوقَ عنقِ المضيقِ العتيقِ
وعن الرسائلِ المُهملةِ
في بقجِ العاشقينَ ؟؟ ..
أما زلتَ تُعلقُ الظلالَ
على مشاجبِ الغيابِ
وتهدلُ مع الحمائمِ الزاجلةِ
لتؤنسَ ليلَ التائهينَ ؟؟ ..
أما زلتَ تعودُ مع هوادجِ القصيدِ
لتُلْقِمَ الطلولَ حجراَ فحجراً
ومعِ أسفارِ القوافلِ
لتحملَ أسرارَ الغائبينَ ؟ ..
أما زلتَ شقياً كما كنتَ
تفتحُ الطرودَ
وتسرقُ صناديقَ البريدِ
وتتركُ خلفَكَ بصماتِ الحنينِ ..
ليتَكَ أَنْصَّتَ حينها
لأحاديثِنا المبعثرةِ على النافذةِ القبليةِ
لبوحِ وردةِ السورِ
لتراتيلِ زهرِ الياسمينِ ..
ليتَكَ في هدأةِ الغروبِ
عانقْتَ الطفلَ المنسيَّ فينا
وأخذتَ بيدهِ الصغيرةِ
ليهتدي إلى خَطْراتِ الحالمينَ ..
يا حبُ لا تكُ غريباً
كغيتاراتِ الغجرِ المرتحلةِ
كُنْ ناياً رعويَّاً حنوناً
يناجي برقتِهِ الساهرينَ ..
يُلَمْلِمُ نثارَنا الأثيريَّ
من مَهَبِّ الشهقاتِ
ويفتحُ بوابةَ الريحِ كي نعودَ
على غيرِ ميعادٍ مع العائدينَ ..
وكيفَ للخيالِ في حضرتِها أن يبقى على ألحيادِ ؟! بقلم محمد صالح غنيام فلسطين
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
17 فبراير
Rating:

ليست هناك تعليقات: