قُصَاصَةُ امرأةٍ من ورقٍ طارتْ في مهبِّ الذاكرةِ بقلم محمد صالح غنايم فلسطين


- عن ماذا تبحثُ على الرفوفِ العتيقةِ ؟
- عن بقايا صورٍ عتيقةٍ صفراءَ ظلَّتْ هناكَ ..
- ماذا ؟!! وهل بَقِيَ شيءٌ من تلكَ الصورِ البريئةِ كي تُكَفْكِفَ أدمُعَها بعدَ الفُراقِ ؟
- لم يبقَ شيءٌ , لربما هُناكَ بضعُ حقائبَ مَلْأَى بالصَّدى , فَقَدْ أخذتْ الريحُ العَبُوسُ الظَنُونُ كلَّ شيءٍ إلى مهاوي النسيانِ وتركتني كغيتاراتِ الغجرِعلى الدروبِ للنحيبِ ..
- وماذا إذَنْ ؟
- أُوهمُ نفسي لأَبقى على قيدِ الحكايةِ .. كي أعيشَ .. كي أعيشَ !!
- إلى أينَ سوف يقودُكَ هذيانُكَ بعدَ ذياكَ الرحيلِ ؟ إلامَ ستبقى تشيرُ إلى نفسِكِ بأصابعِ الإتهامِ كلما هبتْ أسماؤُهم قُصَاصَاتِ ورقٍ في مهَبِّ ذاكرتِكَ المعطوبةِ ؟
- كربابةٍ ظلَّ رحيلُهُم يَئِنُّ على مدارجِ البعيدِ , كَنَايٍ ما زالَتْ تبكي أطيافُهم على صدري في فجرِ مئذنةٍ وعيدٍ , لقد رحلُوا إلى ضفةِ النقصانِ كي يَهِبُوا قتمَ ظلالِي لونَ ريشِ العصافيرِ , ووجهَ الماءِ قُبلاتِ النوارسِ البيضاءِ , والنشيدَ ألقابَهُ الأولى , وكي يتركُوا في فوضايَ حيزاً للمطرِ الطليعيِّ الأوَّلِ , لنُّوَّارِ زهرِ أللوزِ , للأغاني العاطفيَّةِ , للطائراتِ الورقيةِ لأراجيحِ الطفولةِ , ولمجازِ القصائدِ التي لمْ تُزهرْ بعدُ على مناديلِ حبيبتي ..
وَكَأَنَّكِ أنتِ الأمسُ الغاربُ
رفيقُ السفرِِ الطويلِ .. والصُدَفِ الكثيرةِ
والتَسَكُّعِ على الأرصفةِ الغريبةِ
لَنْ تَعُودِي .. لَنْ تَعُودِي
وكَأَنَكِ تأريخُ الحكايةِ المَنْسِيَّةِ
مرَّ كسحابةٍ هاربةٍ فوقَ المعبدِ المُقَدَّسِ
ليُعَمِّدَ جسدَهُ الخرافيَّ بالبخورِ السماويةِ
تَعَالَى .. وتَسَامَى ..
غابَ كقارورةِ تحملُ في جوفِها رسالةً
أخذها الموجُ إلى عطشِ البحارِ
تَبَاعَدَ .. وتَنَاءَى
أو لربما أنتِ حدُّ السيفِ الذي عَتُقَ في غمدِ الحكايةِ
فَلَّ وتَثَلَّمَ
لن يُؤذيَ شهرزادَ الحكاءةَ في ليلِ شهريارَ بالطعناتِ المُميتةِ ..
أو ربما أنتِ زمانٌ تَسَمَّرَ على عقاربِ الساعاتِ كتمثالِ ملحٍ
عندما رَهنَ فرسَهُ وراياتِهِ وأبواقَهُ
صَمَتَ وبَكَمَ
لَنْ يُكَلِّمَني .. لَنْ يُكَلِّمَني
وأنتِ وحدكِ .. أنتِ وحدكِ .. أنتِ بي
الفراغُ الذي يدورُ في دوائرَ تلوَ الدوائرِ
يَخْمِشُ زجاجَ الصمتِ الحرونِ ..
قرينةُ الليلِ والمرايا والدروبِ
ونوباتِ الدوارِ والجنونِ والمواعيدِ الغامضةِ ...
وكأني الغدُ المنذورُ للناياتِ بينَ الريحِ والسحابةِ
في مساءِ قصيدةٍ
لا يَأتي .. لا يَأتي
لَنْ أَنْدَلِعَ كالفجرِ بينَ الصَّدى والصَّوْتِ
في عناقِ المسافاتِ البعيدةِ ..
ولنْ تداعبَ أَصَابِعي الخطاءةُ
في عُرْيِ ليلِ الغِوايةِ
جدائلَكِ الطوالَ بعدَ الآنَ ..
كتبَ الحَكَّاءُ على بوابَةِ الحكايةِ :
" من هُنا مرَّ خريفُكِ
قبلَ انبثاقِ زَوْبَعَةٍ تَعِجُّ بالراحلينَ والتائهينَ
يحملُ في سروجهِ
قمراً يعوي ونجمتينِ مكسورتينِ ..
يرسمُ على الطريقِ المُعاكسِ
ظِلَّ خروبةٍ يَتَمدَّدُ قي مشاعِكَ
أصفرَ أصفرَ " ..
وإنْ اسْتَسْمَحْتُكِ بعدَ انفلاتِ رمحِ العمرِ
من قَبْضَتِي الضعيفةِ
هل تغفرينَ لي سيدتي
رحيلي كالعصافيرِ
إلى حضنِ امرأةٍ ثانيةٍ ؟؟
للخربشاتِ أنا .. والغيابُ وثرثراتُ الضوءِ والظلالِ
للسرابِ أنتِ .. والقافلةُ والنخيلُ المُتْعَبُ وإيقاعُ الأدمعِ الخرساءِ
والصمتُ في غيابِكِ عقابُ القصيدةِ ...
لربما نحنُ توأما مواقيتِ الصحوِ والمطرِ ومواعيدِ البَِدْءِ والخواتيمِ
نهربُ كغيمةٍ إلى أرضٍ غيرِ ذاتِ زرعٍ ..
أو ننسابُ كتنويعةٍ حَيْرى أضاعتْ نهايتَها على رموشِ البيانو ..
لربما نحنُ تَوْأَمَا المصائرِ والأُمنياتِ
نُحلقُ كطائرةٍ ورقيةٍ سَكْرَى .. لا تدري إلى أينَ ؟!!
أو نَتَشَظَّى كعبارةٍ خائبةٍ في آخرِ النصِّ
تبحثُ عَمَنْ يَمْسَحُ عبراتِها بمنديلِ الغمامةِ
أو يَرْبِّتْ على كِتْفِها بأيادٍ من حريرٍ ..
وأنا وحدي .. أنا وحدي .. أنا بكِ
وأنتِ كالمسافاتِ الطوالِ
بينَ بواكيرِ حماقاتِنا .. وبينَ آخرِ وداعاتِنا
بينَ أعمقِ خلافاتِنا .. وبينَ أََدْمُعِ الندمِ
بين جمراتِ الإنتظارِ .. ونشوى اللقاءاتِ
والوصولُ إليكِ كما إلى المحالِ
قَصِيَّةٌ أنتِ .. قَصِيَّةٌ ..
وأنتِ في ارتفاعِكِ إلى أوجِّكِ لتبحثي عن عناوينِ الروحِ
كحكمةِ حكماءِ القبيلةِ الغطاريفِ الأوائلِ
قبلَ أنْ تَسقطَ أسماؤُهم تباعاً عن شجرةِ العائلةِ
كصحائفِ الغيبِ عنْ بصرِ حواءَ
قبلَ أن تقضمَ التفاحةَ عن شجرةِ المعرفةِ
كإِكْسيرِ الخلودِ عنْ رغباتِ أنانا الترابيِّ ..
لا تُنالينَ .. عَصِيَّةٌ أنتِ .. عَصِيَّةٌ ..
قُصَاصَةُ امرأةٍ من ورقٍ طارتْ في مهبِّ الذاكرةِ بقلم محمد صالح غنايم فلسطين Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 01 يونيو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.