لم أعد الشّخص الوحيد الذي يعلم كيف بدأ الشّعر بقلم محمود طارقي تونس


الشّخص الوحيد في هذا العالم الذي يعلم كيف بدأ الشِّعر، هو أنا...
أنا الذي أهملت حياتي لأسابيع وأشهر
وعندما نظرت في المرآة
وجدتها قد نمت أكثر في لحيتي...
وأنا الذي كنت أقول دائما بأن الحديث هو المسافة التي نقطعها إلى الصمت،
وأنّ الضحك يحملنا من حزن إلى حزن،
وأنّ الحكمة هي أقصى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان من عجز،
وأنّ غربة الشّاعر أقل من غربة الفيلسوف لأن قرّاء الشّعر أكثر بقليل...
أنا الغريب الذي يتخيّل الكرة الأرضية رمية جزاء معلّقة في الفضاء،
ويتمنّى أن يسدّدها الآن باتجاه الثقوب السوداء...
أنا الشخص الذي لم يجد السّلام إلا في الحياة المزرية،
ويعتبر أنّ أكبر تهديد له هو أن تصبح حياته أفضل...
أنا صاحب العلم الذي لا ينفع،
ومع ذلك أملك وصيّة واحدة:
" أحبّوا مشاكلكم، فحياة بلا مشاكل هي حياة بلا حلول أيضا"
بعد كلّ انفجار
كنت أتابع أعمدة البيوت وهي تتحول إلى أعمدة دخان
حتى تَشدّ السماء وتمنعها من السقوط
ثم أكتب حكمتي الصغيرة:
"الشّعر لا يستطيع أن يمنع العالم من الانهيار،
ولكنّه سيجعله ينهار بطريقة أجمل"
والحكمة ليست أكثر من موهبة، ككلّ المواهب التي تهبنا قدرة أكبر على الكذب...
الحكمة أيضا شعر،
ولكن كيف بدأ الشعر؟
تأمّل هذا العالم وستحسّ بالغضب في صدرك،
ذلك الغضب الذي سيصبح كلمات بذيئة بين شفتيك،
الكلمات البذيئة التي تولد من المجاز...
أنت الآن تعلم كيف بدأ الشعر،
لقد بدأ من الكلام البذيء لأنه نافذتنا الأولى على المجاز...
والآن،
لم أعد الشّخص الوحيد الذي يعلم كيف بدأ الشّعر.
لم أعد الشّخص الوحيد الذي يعلم كيف بدأ الشّعر بقلم محمود طارقي تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 12 يونيو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.