العاملات هنا بقلم مصطفى الحناني المغرب


العاملات هنا
وجوههن مقشرة كالبطاطس يا دوركايم
شاحبات كعمال المناجم في رواية الطاعون يا كامو
صفراوات كالكبريت بين يدي عشاب
دأب على كي الحمقى مثلي يا كافكا المراقب
°°°°°°°
العاملات هنا
متهالكة أبدانهن كحبات كرز أفسدتها الطيور
أنوفهن مجذوعة
كأرجل مبتورة لجنود أصابتهم قذيفة في المعركة يا دالي
الجنود لا أسماء لهم ولا ألقاب حتى
هم فقط أرقام تسلسلية في عداد الموت الأوتوماتيكي الفائق السرعة
°°°°°°°
الرجل الذي فقد إبهامه جراء شظية لغم أرضي
تمنى لو فقد نور عينيه لئلا يرى كل هذه المهزلة
المأساة يا أرسطو أن يدفع الشك اليقين إلى الهاوية
قال لي الرجل عينه يا سارتر :
لو كنت أعلم إنني سأرى كل هذا العبث ...؟
لكنت أسلمت الروح للشظية
أو وهبت كل جسدي بالتقسيط لقذيفة الموت
أمنحها - مثلا - رأسي كله
وأمنحني أنا
بعضا مما تبقى من أعضائي المبعثرة
- قلت لما يا عمي إبراهيم كل هذا التمني البئيس ...؟
- قال بحسرة شاسعة الأطراف
كأنه يحمل العالم على كتفيه بدل النياشين و أوسمة التتويج :
على الأقل كنت مت - معتقدا - أنني شهيد يا ولدي ...
°°°°°°°
يفتح العم إبراهيم قارورة التبغ " طابا"
يملأ فمه بكمية منها تحت شفته العليا
ويبصق في الهواء بقوة بعيدا
يرتج جسده المتعب بالسعال
تتغير كل ملامح وجهه الأغبر ...
فيرسل متوالية غير قابلة للعد من التأوهات
فيما أتخيل أنا صورة والدي ببذلة الحرب
وهو يستقبل الرصاص بجسد مفتوح
مشرع على احتمال الموت كل صباح
وأقول له في صمت :
اللعنة على كل هذه البلاد يا أبت ...
وأسأله غير منتظر جوابا :
هل كان من المعقول أن تموت أنت ...؟
°°°°°°°
أنا الآن
خادم بسيط في حضرة البطاطس
كل عمري بعدك ذهب مع الريح
أو مع سرب من جراد الجنوب
تحت منحدرات جبال الأطلس الكبير
البطاطس لا تفهم لغة الشعر يا بوكماخ
لذلك امتنع الطفل عن أكلها في النص
البطاطس أعتى من الثعالب
في حيل الإيقاع بالخصوم
وأنا جزرة صغيرة في حقل
مترع على النهب السريع يا دي بوفوار

°°°°°°°
العاملات هنا يا ليشفاليزا ...!
يشبهن قلب الموت في الكثير من التفاصيل
أيديهن بيضاء كالأكفان في صناديق الأمهات
قلوبهن صقيلة
كخشب التوابيت في مساجد الله
نظراتهن باردة
كقمم الهمالايا الشامخة
يشبهن الجن كثيرا في مشيتهن
لا
يلقين السلام عليك
لا
يبتسمن في وجهك
لا
يغمزن حتى نكاية في الحب المفقود
نهودهن كبقايا زبيب عنب دالية في حقل مهجور
مؤخراتهن مسطحة كمقاعد حافلة متهالكة
الحافلة مدينة بكامل عريها تنازع الفقر
°°°°°°°
العاملات هنا يا أبت
يشبهن عمري كثيرا
صفراوات
شاحبات
عاجزات
حامضات
غصاصات
كبلح نخيل أصابه البيوض في تافيلالت العجاج و النسيان ...
• عمي إبراهيم رحل عنا هذا العام ولم أره لعقد من الزمن لروحك السكينة يا عمي أبراهيم ....
العاملات هنا بقلم مصطفى الحناني المغرب Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 08 يوليو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.