احتياج واحد بقلم محمود طارقي تونس


لا أحتاج وزيرا يحدّثني عن التعليم،
فيكفي أن أنصت إلى صوت دفتر تُورِّقه الرّيح في حِجر طالبة تنتظر الحافلة
لأعلم أن الدّروس مستمرّة وستستمرّ...
ولا أحتاج رئيسا يحدّثني عن الغد،
لأنّ الشّمس لا تشرق من القصور...
ولا أحتاج سياسيّا يحدّثني عن الأمل،
فكلّ نسمة خفيفة تهزّ الغصون الخضراء أمل...
ولا أحتاج دجّالا يحدّثني عن عذاب القبر،
فأنا أقرأ الفاتحة بصوت خافت أمام القبور
وأعلم أنّ الموتى ينعمون بالهدوء في خاتمتهم...
ولا أحتاج صديقا يحدّثني عن الفرح،
فأجمل الضّحكات هي التي تمتزج بالدّموع
وهذا يعني أنّ الفرحة تأخرت
ولكنّها وصلت...
ولا أحتاج شخصا يذكّرني بالموت،
فحديث المارّة الذي يتلاشى سريعا ويتحوّل إلى صوت غير مفهوم
يخبرني دائما بأنّنا مجرّد عابرين...
حتى النّوم الذي لا يزورني إلّا نادرا لا أحتاجه،
فنباح الكلاب يشقّ قريتي كلّ ليلة
وأصل معه إلى الغد...
ولا أحتاج أغاني الصّباح الجميلة،
لأنّي أفضّل صوت التّفجير في مقالع الحجارة
فهو يعني أنّ البيوت مازالت تُشيّد بالعرق والصّخور...
ولا أحتاج امرأة تحدّثني عن الدفء،
فإيقاع المطر على نوافذنا يعني أننا محميّون من البرد...
حتى نفسي لا أحتاجها لأنّني وُجدت رغما عنّي،
ولكن
بما أنّني حيّ الآن
فأنا بحاجة إلى بعض السّلام
كالزّهور التي تنمو بصمت لتكسو كلّ الأرض
دون أن تُحدث الصّوت الذي يُحدثه تهشّم مزهريّة واحدة على شبر من الرّخام البارد.
احتياج واحد بقلم محمود طارقي تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 05 يوليو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.