فَمْ و نصوص أخرى للشاعر العراقي ضرغام عباس
فَمْ
فم! فم! فم! فم/ فم!
فمٌ للكون/ فمٌ للكتاب / فمٌ للحياة/ للمقبرةِ فم
فمٌ للخرفانِ التي تسمعُ فقط
يا وجهَ الراعي المتجعد إنا لك أسنانٌ سادية.
مؤخرةُ الإنسان وقضيبُ البندقية و رياض صالح والأوراقُ كلها فمْ
للموسيقى وهي الأقربُ لإنبلاج قداحٍ فم
للخطيئةِ فم،
فمٌ للحظيرةِ العاطلةِ عن التجنيد
للصباحِ العاطلُ عن الإشراقِ فم
فمٌ لليلِ الاسود حتى وإن كشر عن أنيابهِ البيضاء،
فمٌ للجوامعِ الحبلى
فمٌ لأجراسِ الكنيسةِ النائمةُ منذ اخر مسيح
منذُ اخر مريم،
للربِ وهو يختلسُ النظرَ من فتحةِ نافذتهِ
المطلةُ على الجحيم
المطلةُ على العراق !
للنافذةِ فم.
للملائكة الصغارِ فمُ بائعيّ الجرائد
ولحبيبتي وهي تقضمُ نياطَ قلبي بشراهةٍ
فمٌ بشفاهٍ ك تينةٍ قُطفت للتوِ،
أما أنا،
وانا الأبعد ُ من مسواكٍ عن فمِ راهبةٍ
ليس لي فم!
ليس لي فم!
ليس لي فمٌ!.
--------------------
في يوم الجمعة
يستيقظُ نصف أنّاي
يُحدقُ في محتويات الغرفة،
المرآة،
المكتبة،
زهرة الاوركيد،
دولاب الحنين،
في القطرة الندية النازحة من ثغر القدح،
فلا يجدُ سوى شبحٍ متهالكٍ يرنو إلى ذاته،
يرنو...
إلى تجاعيد مراهقة الأمسِ
بين افخاذ الزمن.
-------------
الطائر صوت الله
هذا الفأس المرقط،
هذا الثائِر الممزوج بالخيانة،
ليس الثائِر الذي انتظرناه
لم يكن - لسان الغيب - الذي تمنيناه.
بينما نُنْسَف نجد/
الوجهة النهائية للأرواحِ المُتأرجحةِ بين الرب والعدم،
بينما ننقتل نجد/
الوجهة البدائية للغيوم التي
تُرضعُ الغصن لينمو رُمحًا في جنحِ طائر.
في عالمٍ ما، الطائر صوت الله
في عالمٍ ما، يُقتل الطائر ضحية صوته
-صوتك الحر يُشعل ثورة الفئران.
في عالمٍ ما،
سترسو سفينة الفئران فوق بحرٍ من الدم
وهي تنشد
الطائر صوت الله
الطائر صوت الله
الطائر صوت الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان يُمكن
ولأني الناجي الوحيد من حطامِ سفينة الوطن،
فقدتُ خاصية الأستشعار،
إلا إني حينَ أمرُ بموسيقى 'أومبرتو' الكتابية
لا أتأثرُ بزخم الاحساس المنبعث
ولا أنزفُ شجنًا على أوتارهِ الأفقية،
الأوتار..
حبالٌ تُعلقُ عليها مغاسيل الحرب.
كان يمكن أن لا أُردد نشيد الانفجار،
وأن أُشاهد فراشةً
حطّت على كتفِ عصفورٍ
نزل من السماء،
نزلَ من السماءِ
ليُعلمنا كيف تولد الفراشة .. وتموت
من صخب الأهازيج
و الآيات البشرية.
-----------------------
حتى أنا سأتخلى عني
وأمضي حيث مضوا
أترنحُ على ساحل الأثرِ وأنتظرُ
لعل موجةً طائشةً
تأتي وتجرفني معها
وعلى جسدي ان يكون جديرا بالجحيمِ
وان يقاوم
عليه ان يتعايش مع النمل والثعابين
عليه ان يكون
كوخاً
حَجراً
عليه ان يكون كل شيء،
لابد من هدنةٍ في تلك الحفرة
لابد من سلامٍ في تلك الحياة.
-----------------
تساؤلات
بينما أكبرُ بالمعرفة،
و أتقدّمُ بالقراءةِ حرفاً فحرفاً،
أرى الظلَّ أشكالاً لامتناهيةً
وصوراً تتوارى خلف القضبان.
مسرحُ الذاكرة وجهُ (صابرين)
مرآةً
مرآةً
مرآة.
كيف لهذا الضبابيّ القدرةُ على قراءةِ ما نفكّرُ به؟
وكيف يكونُ الفاعلَ والمفعولَ في آنٍ واحد؟!
في بادئ الأمر
كنتُ أراهُ لاعبَ خفةٍ
ففي وضح النهار يُخفي الأشياءَ الأكثرَ وضوحاً
ولا يكترثُ لعين الشمس.
ثم أراه لصاً،
جاسوساً،
مهرجاً.
قبل بضعةِ أعوام لمحتُ طفلاً،
انتزعَ الضوءُ احشاءَه،
طفلاً
جاثياً على ركبتيهِ، ويداه قوسُ مناجاة،
كيف للظلِّ أنْ يكونَ هيكلاً و أحشاءَ؟
وكيف...
هل يتألمُ حين نُصفَع؟
هل يشعرُ بالجوع مثلنا نحن ـ أكلةَ اللحوم العارية ـ ؟
وهل يتعبُ منَ الجري ما تكونُ الشمسُ منتصبةً؟
كلبٌ كانَ يجري...
يتعب،
وأحياناً يُغمى عليه!
أكبرُ بالمعرفة،
واتقدّمُ بالقراءةِ حرفاً فحرفاً فحرفاً....،
احدودبَ ظهرُ المكتبة،
صرتُ أكثرَ نباهةً و معنىً.
أخرج خفيةً عن ضوءِ القمرِ، والمدافعِ،
هارباً
منْ إشاراتِ المرورِ و الفوضى،
هارباً
من زحمة السير،
من شيءٍ غريبِ الأطوارِ،
يرافقني كالخطايا،
يتابعُني ظلاً....
من قبل أمس
وأنا أمشي الهوينى،
والريحُ تعزفُ على ذقني،
رأيتُ وحشاً
بمخالبَ وعمامةٍ،
رأيت ناسكاً
بهيئةِ ذئب،
كيف لهذا المُرقّطِ بالرماد
أنْ ينيرَ نفقاً منَ التساؤلات!
وكيف لعينين أنْ تبصرا كلَّ شيءٍ
ولا تُبصرَ حقيقتي؟
ليست هناك تعليقات: