عناوين متعددة : حسن المختار بن محمد / المغرب




 ▪ ( راودتني عدة عناوين لهذا النص

        مثل : في مفترق الريح

           أو : صفات الريح المنسية

        في النهاية، تركت للريح حرية اختيار عنوان له/ا )


لا أَهَابُ الطريقَ 

لا بدايتَها و لا النهايةَ

لا الأسفلتَ و لا الأرصفةَ

لا الدَّوْرِيَّاتِ و لا المَطَبَّاتِ

لا الصَّهْدَ و لا العاصفةَ

أريد فقط، حِذَاءً متيناً 

يَصْمُدُ لكل شظايا الزجاجِ 

و المساميرِ الصَّدِئَة


لا أهابُ الطريقَ

وَلَكِنَّ قلبِيَ الرَّهيفَ 

الحافِيَ مِنْكِ

يَخْشى أَنْ يُسْحَلَ 

على شظايا كبرياءٍ مكسورٍ

و أحلامٍ صَدِئَة


وقوفي مبهوتاً أمام الطريقِ

لا يبرره خوفٌ و لا خشيةٌ

بل رهبةُ اقترافِ مجزرةٍ 

في حق هذا القلب 


الريح التي تَهُبُّ الآنَ

و أنا في هذا المفترق الفسيحِ

لا بد أنها تتوزعني تركةً لكائناتٍ

لا يمكن أن تكون عَدَماً على الإطلاق


إِنْ بَدَا وقوفي كاملا غيرَ منقوصٍ

لا بد أنها تحمل بعضَ حُرَيْرَاتِي المقرورةِ

نحو ذلك الجسدِ المقرورِ في نهاية الطريقِ

لعل و عسى إذا اجتمع سالبانِ 

وَجَبَ لهما دِفْءٌ صغير


و بعضَ ذَرّاتي منتهيةَ الصلاحيةِ؛ تَحْمِلُهَا

إلى جهةٍ ما معلومةٍ لدى مخابرات الطقسِ

ربما من أجل تحليلها 

لمعرفة تاريخ و أسباب فسادها


لا بد أنها، أيضا، تحمل بعض صِبْغِياتي المحترقةِ

إلى مختبر سِرِّيٍّ أخفاه الطقس بعناية في تلافيفِ الأجواءِ

ربما أيضا لاستجلاء ملابساتِ الاحتراق


و الأكيدُ أنها تحمل كتلةً كثيفةً

من صُراخات روحِيَ المعذبَةِ في سجنها

نحو مسامع السماءِ

تلك الصراخات التي لن تموت في الهواءِ

مهما تعاقبَتِ الأحقابُ

حتى يَنْبَرِيَ لها لاقِطٌ هوائي متطورٌ

سوف تكتشفه التكنولوجيا رَبَّةُ العصرِ الأخيرِ

-يُقال إنه تم اكتشافه 

و قد التقط بالفعل أصواتا من العصر الحجريّ !!!-

و تَبُثُّهُ كشريطٍ صَوْتِيٍّ 

على ذبذبات آلاف المحطات الأرضية و الهوائيةِ

لتغشى أسماع أهل الأرضِ

و هم سادرون في سَهْراتِهِمُ الليليةِ

و النهاريةِ كذلكَ

الأكيدُ أنهم سوف ينبهرونَ 

من هذه الكتلة الهائلة من الصراخِ

ذاتِ الأنينِ المكتومِ

و كأنما عازفُ نايٍ أخرسٌ

عاجزٌ عن إخراج أوجاعه بالكلامِ

اِسْتَعَاضَ بالنفخ على فَمِ الحريقِ

و مواراةِ الثقوبِ بالأصابعِ

محاولين إِصَاخَةَ السمعِ للمُعَلِّقِ

و هو يشرح ملابساتِها الزمانيةِ و المكانيةِ

و مصدرَها الذي كان جِرْماً صغيراً

و سوف يتعجبون !!!

 كيف أَنَّ كتلةً صوتيةً هائلةً

كانت كفيلةً بإحداث ثقبٍ جديدٍ في الغلافِ الجَوِّيِّ

كان مصدرُها حِبَالٌ صوتيَّةٌ دَقِيقَةٌ

اِلْتَفَّتْ على صاحِبِها حَيَّةً

حتى أَرْدَتْهُ جُثَّةً لا تَكُفُّ عَنِ الصُّرَاخ


و الآكَدُ أنها تحمل أنفاسِيَ المحترقةَ

نحو غاباتٍ تختنق بالأوكسيجين


و ها ما أزالُ واقفاً مبهوتاً كاملاً غيرَ منقوصٍ

-كما يُخَيَّلُ لِي-

بينما أَتَلَاشَى حُرَيْرَاتٍ و ذَرَّاتٍ و صِبْغِيَّاتٍ و صُرَاخَاتٍ

و أنفاساً...

في هذا المُفْتَرَقِ الفسيحِ

كثيرةٌ هي الطرقاتُ

و كثيرةٌ هي الأَحْذِيَةُ و وسائلُ المواصلاتِ

بَرّاً و بحراً و جَوّاً

بينما بوصلةُ القلبِ تشيرُ إلى السماءِ

و ليس ها هنا مِنْ بُرَاق


أيتها الريحُ، اشْتَدِّي

و اخْلَعِي مِنِّي ثِيَابِي

كيما أَبْدُوَ عارياً تماماً مِنْ أَيِّ تَرِكَةٍ

تكونُ مَطْمَعاً للوَارِثِينَ

و احْتَدِمِي حتى تَنْزِعِي من رأسِيَ

ذكرياتِهِ الثقيلَةَ

و لا تكوني كاللصِّ 

يحمل ما خَفَّ وزنُهُ و غَلا ثمنُه


ما أَغْبَاكِ !!! 

تَأْخُذِينَ البَخْسَ و تَزْهَدِينَ في الثَّمِين


أيتها الريحُ، تَوَحَّشِي 

و احمليني كاملاً غيرَ منقوصٍ

لا تكوني عُنْصُرِيَّةً في اجْتِزَائِي

و دَعِي للبَشَرِ العُنْصُرِيَّةَ و اللصوصِيَّة


                               ح-خ  (المختار)


عناوين متعددة : حسن المختار بن محمد / المغرب Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 12 أبريل Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.