عشرون نص للشاعر العراقي مهند المهند
لماذا يالله علينا
أن نكون دائماً في إحصائية الموتى
في الطب العدلي؟
أسماؤنا ينخرها الرّصاص..
جثثنا مُلقات
علَى الأرضِ كالحصى
هَل نحن أحجار..
كريمة في مسبحةٍ قُطع خيطها من يد عزرائيل
وقررت أن ينتشلنا واحدًا تلو الآخر؟
نحن في قلقٍ مستمر
و نتساءل عن ما سيحث غداً..!
لا أعرف كيف أفلت
من قبضة الموت، لا أعرف
إلى أين مزبلةٍ
ستُدفن أحلامي..
وأحلام رفاقي الذين
يدفعون عرباتهم المثقلة بالهموم
بطرقٍ وعرة في بلد البترول...!
===========================
كلّ الذين مزَّقت الانفجارات
قمصانهم لا يستمعون
للموسيقى،
يقفون أمام أبواب..
منازلهم عراة، تأخذهم رغبةً عارمة
للهروبِ خلف الضباب..!
مترقبين الرّصاص القادم
من فوهاتِ البنادق..
لا يملكون دماء كافية لايطفو
بأجسادهم الخفيفة،
يعدون إطباقاً دسمةً للغربانِ وَهُم علَى الصليبِ
يرتلون قداس المُلح والخبز،
يستطردون كلاماً هشاً
يقفون علَى نصفِ سَاق.
أشياء شتى تمر بيّن أصابعهم
بسرعة الصوت،
في تشرين موسم
صيد الأرواح،
موسم الدماء..
يعود (دراكولا)، مُنتشياً...
يعود قابضاً علَى أيامنا البيْض
بأسنانهِ، ونَحْن كلّ الذين..
مزَّقت الانفجارات
قمصانهم لا نرتدي إلاّ وطناً بمقاسِ
تابوت وذراع دفانٌ
وحفنة تُراب.!
=========================
في هذه الظروفُ
الصعبةُ..لا بُدَّ أن أقولَ -أحبُّكِ-
لا بُدَّ أن أقولَ شيئًا
يعيدُ ترتيبَ..
الأيامَ الصعبة
ويجعلُها أكثر طراوة،
هذا الحزنُ عميقٌ جداً
عميقٌ بقدرِ جراحاتِنا القاتلة..!
وسطُ الضجيج أحاولُ جاهدًا سماعَ
ترنيمةً تبشّرُ بغدٍ أجملٍ..
كسماعِ صوّتِ
العَصافيرِ، بدلَ صوتِ
الرّصاصِ..!
وسماعُ مقاماتٍ
بدلَ صوتِ..
صفاراتِ الإسعافِ،
نحن الشعراءُ
تعساءٌ جداً.. كأمهاتٍ يلدنَ أوجاعًا...!
في هذه الظّروف
التي نمرُّ بها، أسعى بكلِّ..
قوايَ أن أكتُبَ شيئًا إيجابيًا
يدعو إلى نبذِ..
السَّوادِ في البلادِ، وأمتدُّ بين ضفتي النّهرِ..
أُرجوحةً للنوارسِ، وأطفالُ
الحيِّ ليمرحوا قليلا.!
=============================
لَا تطلبي مني قصائد حُبّ
يستفزني صوّت..
الرّصاص،
تتحول لغتي
من وُضعِ القُبلات..
إلى وضعٍ منافٍ لا يقلُ
خطورة..
عن السّير
في حقلِ ألغامٍ.!
أطلبي مني أن أكتب عن الدماء
الداكنة المنسابة
علَى الأرصفة..
أو عن تنهدات الأمهات
في حجراتهنَ ينتظرنا خبراً سار..
من أولادهن،
قصائد الحُبّ ناشفة الآن،
وأنت تبكي..
تقوّل.. لا أبكي
أنا أصطاد الدمع.!
لا تطلبي مني أكتب
قصائد حُبّ،
الحبُ طاهرٌ.. ونحن لم نتوضأ بعد.!
========================
أنا رجلٌ همجي
فرحاً أتراقص بقدمينِ أطول
بيدٍ أقصر أصفق،
مثّل كنغرٍ يقفزُ من رقعةٍ إلى أخرى.
أنا هُنَا أحشو غليوني بتفاهات
وسذاجة..!
أنا هُنَا أتسلق الأشجار
وآكلُ العشبَ، أصطاد الزواحف كهندي أحمر
أشعل النيران وأطوف حوّلها
وأصرخ.. وحديّ،
أنا هُنَا أشربُ من البركِ الآسنة،
أنا رجلٌ اعتاد
علَى الحُزنِ
اعتاد علَى الوِحدة
أقف كفزاعةِ حقل لا تضر الجراد
لا تنش عصفوراً جائعا..!
لا أضر، لا أنفع،
أشعل النار وأرقص وأقول أنا هُنَا وحدي،
لا تفكروا برفقتي
لا تفكروا باصطحابي..
أنا رجلٌ همجي.!
لن يبقَ معي إلا قليل.. القليل،
سأموت ومعي الأمنيات
دون أن أحققها،
اتأمل اللّيل بأطراف أصابعي
وأرتب قلقي..
تصاعدياً حتّى بلوغ
أعلى القمّة، سأرحل عني يومًا ما
سأرحل و أتركني
هُنَا بيّن الخشبِ
وجص الجدار كنملةٍ أرملةٍ،
أنا رجلٌ همجي أعرف
عن الحب الكثير
وأحاول دائماً أن أكون لطيفاً..!
فأقول أحبُّكِ لأنقذ نفسي
من الضياعِ.!
====================
لأني عراقيٌّ ولدتُ
بحنجرةٍ مبحوحةٍ تردّدُ دائمًا
مواويلَ طازجةً
بطعمِ نحيبٍ.
ورائحةُ الدّمِ.!
لأني عراقيٌّ..
أملكُ قلبًا ساخنًا كرغيفٍ خُبزٍ.. خرجَ
من التنورِ للتوّ يطعمُ غضبَ
الشارعِ صراخًا بوجهِ الظّلمِ..!
لأني عراقيٌّ رفضتُ
الذُلَّ بكلِّ أشكالهِ؛
تخضّبَ رأسي بدماءٍ..!
خرّجت أطالَبُ
بوطنٍ لا أحلم فِيه فقط،
لأني ولدتُ عراقيًا..
كُتبَ عليَّ أن أموتَ في كلِّ نشرةِ أخبارٍ
وأنا أرى نعوشَ
أصدقائي..
بجماجمٍ مهشّمةٍ
وصدورٍ يطرزُها الرّصاصُ وأمهاتٌ
يذرفنَ الدّموعَ بحزنٍ كبيرٍ.
=====================
ليلة مرصّعة بالنّجوم
بماذا كان يفكّر فان جوخ تلك اللّيلة
وهو يخط بريشته فوق..
رقعة قماش؟
البُيُوت صغيرة لا تتّسع للأحلام
أو لممارسةِ الحُبِّ..!
نجوم كثيرة تُزيّن السماء
لكن لا أعرف أيهما أنتِ،
ربما بعيدة جدًا
عن الأنظار وأنا نظري ضئيل!!
أرى الأشياء القريبة
تبدو وكأنها ثقوب سوداء
أمّا الأشياء الأكثر بعدًا لا أرى منها
سِوى الظّلام.!
قبل أن أودعَ
الرّصاصة برأسي
تحت شجرة السّرو قطعت أذني
حتّى لا أسمع صوتك
الّذي ضَل
يلازمني كمرضٍ
مزمنٍ طوال حياتي.!
كيف لعينيكِ انشطرت
و كوّنت كلّ هذهِ المجرات و النّجوم
وتلك التّفاصيل الكثيرة؟
ليلة مرصّعة
بالنّجوم،
بيوتٌ تخرج
منها أعمدة الدّخان
أضواء خافتة لَا أحد يرفض
كوب شاي داخلها.
هذا ما كان يقولُه -فان-
لحبيبتهِ،
أنا رجلٌ مجنون أعرف
الكثير عن الجنون وأعرف أن أُحبّكِ في اللّيلِ،
كما أعرف أن أُحبّكِ
في النّهار بنفس المقدار
الّذي كنتُ أُحبّكِ فِيه قبل أن يخلق
الله اللّيل والنّهار.!
-------------------------------
هذا ما اعرفه عن الشارع
أحذية تمشط الأسفلت لا تعرف أي تجاه تسلك.
كلاّب مسعورة لا تكف عن النباح..!
أكياس وزجاجات فارغة تتأرجح في الهواء،
ثمَّة شجرةً علَى الرصيفِ
تلوّح للعصافير،
ربما يكون الغد أجمل
لو عرف عامل النظافة أن الشارع ليس..
أنيقًا بما يكفي..!
هذا ما اعرفه عن الشارع.
كنت صغيرًا أعبر دون أن أنظر
يميناً، شمالاً،
يشتمني سائق مسرع،
كلماتٌ بذيئة، أضواء تحك ظهرها في الأرض،
دخان ونفايات، مخلفات حرب
أحذية عالقة بالوحلِ،
قط يتبول علَى الرصيف، نصف ثمل،
الزحام والوجوه مغبرة،
هذا الشارع..
يريد أن يصرخ لكنّه خائف
مثّل أرملة لا تملك إيجار البيت.!
===========================
هذيان...،
ثملٌ، لا أرى
أسيرُ بخطٍ مائلٍ.. وحده قلبكِ
كان عكازي،
أعرفُ أُنثى
كلّ ما قالت: أُحبّك تنجبُ مني
رجلاً لا يقهر،
سرعانَ ما تذوبُ
كلّ حياتي.. كقطعِ السكر
في كوبِ فمكِ
ضعي رأسي
الوحيد..
علَى صدركِ؛
أنا أعزل أبحث عن عِش،
عذرًا يا الله لأني
أشركتُ فيك، لا إله إلاّ أنت،
وهيّ أيةٌ في الحسنِ
سبحانك،
مُغفل جدًا
ألقي بأصابعي في الهواء
لأصطادِ نظرةٍ
عابرة،
ليس نظرة
فحسب؛
كنتُ أروي.. الظّلام
في داخلي.!
====================
إعادة توجيه..
الكلمات المتقاطعة في الجرائد
تحمل سرًا صغيرًا لا تراه إلاّ إذ تنحيت جانبًا
وتركت المقعد شاغرًا
لامرأةٍ عرافة تفهم
حل لغز الكلمات علَى لوحٍ طيني قديم
خط عليه قابلني الفجر قبل طلوع الشّمس،
إمراة تقرأ الفناجين
وكفوف اليد،
الجنود على رقعة
الشطرنج يموتون دون صراخ،
دون دماء..
دون أن يخلفون خلفهم
جثثا و أنكسارت.
أنت منشغلاً في ترتيب علاقة جديدة تشغلك
عن قراءة أزهار الشر -لبودلير-
أنت تفكّر بصمت في ساق
أنثى قريبة منك
تفكّر كيف تلعق لسان وحدتك
لتشعر باللذةِ و الإثارة وأنت لم تجرب ممارسة
لعب الورق في الحانة.!
ربما أنت، أو أنا.. ربما أحدنا
من هُنَا يقول: لله أنك جريء حين خلقت
ساقين بنفس الطول
بنفس الجودة,
وأنك بارعاً بخلق العتمة والضوء،
لا تعرف أبدًا..
كيف إعادة توجيه الرسائل الورقية
والإيماءات القادمة من النافذة بعد منتصف اللّيل
لا تعرف أبداً..
كيف تقتل الخوف
و التردّد الّذي يعيدك خطوتين
كلّ ما تتقدّم خطوة.!
حينَ كنتُ طفلاً
لا أعرف أي معنىً لحياتي ألهو في الشوارع
أطارد الكلاب..
والقطط،
نصّبت فخاخًا كثيرة للعصافير.
أقذف بيوت الجيران بالحجارة،
كبَّرت قليلاً : عرفتُ مساحات أكثر دخنت السجائر وأنا مازلت صغيرًا علَى التدخين.!!
طرقتُ الأبواب وهربتُ
خلف الظّلام
دخلت معطفًا نسائيٌّ
بَقيت عالقًا هُناك حتّى كبَّرت
وعرفتُ معنى أن تكون رجلاً
يحب إمرأة قادمة من عالم ضوء الشمع
كلّ ما تقوّل لها -أحبك-
تشتعل وتذوب.!
============================
أملكُ مزاجًا جيد
يمكنُني أستبدال
ممارسة العادة السرية.. بعادةٍ علنيا،
أستحضر العالم
عاريًا أمامي،
ثُم ابصق عليه..
و أقول:-
أنظف فنحن لا نستحق السيء
نستحق الأسوأ.!
=========================
أيها القمر المنير
كنطفةٍ معلقةٍ في رحمِ الفضاء أنجبْ
حبًا صغيرًا تتبناه الليالي الوحيدة،
المرآة لا تحتمل أكثر..
من وجهين،
لا تحتمل مجرة..
الشامات على كتفكِ، وطبيعة شعرك
الواصل إلى حدودِ الخصرِ،
أيتها الشّمس التي تمدنا
بالدفء ارتفعي عن الأرض قليلا، أذيبي جبال
الثّلوج قليلاً؛
مدي المُدن
المظلمة بالضوءِ بالحبِّ،
قلمي أظافر البردِ الّذي جمد الأنهار،
وأعيدي الربيع إلى الأريافِ
لتزورنا الورود والفراشات،
أيتها الجبال العتيقة
أكتبي قصيدة عن العشب،
العشبُ شعر عانة الأرض الّذي تحلقه المواشي،
وأنتِ أيتها الرّياح
متى تطلقين أول أغانيكِ
للعصافير التي تمنحكِ جسدها
كُلّ صباح،
أيتها المحيطات
والبحار العميقة كم من الأسرار
ابتلعت؟
أبقي صامتة لا تحدثي
الأسماك عن ما يدور في السّاحل،
لا تفشي سر العالم..
وإلاّ نعود إلى أصولنا الأولية؛
نطفًا ثم طين، ثُم تتبول علينا المواشي
وهي تحلّق العشب، العشبُ شعر
عانة الأرض.!
===========================
من هذهِ الحياة
الكئيبة، إلى العالم الآخر عالم الأموات،
إلى أُمي الراقدة
تحت التراب،
هذهِ الحياة تضيق بي،
أينما أتجه أجد فراغًا شاسعًا،
كأنني في دوامةٍ أدور
محاولاً إسناد نفسي
فلا أجد عكازًا سِوى الآفاق البعيدة،
فترفض عيني أن تبصر الضوء
أنا من عالمِ الظّلام..
حتّى الأفق صَار ظلامًا،
كنت أفتش عن الخطايا
التي ارتكبتها بحماقةٍ
رأيتكِ تبتسمينَ وأنتِ بين الموتى
تقولينَ: يا ولدي الصغير
لا تربك نفسك وأنت تحاول أن تجد مبررًا
لا ترهق نفسك كثيرًا،
لا تبكِ، لا تحزن،
و بين كلّ تلك اللاءات..
أنا أبكي كطفلٍ جائعٍ
إلى درِ أمهِ،
عامًا ونصف وأنا أربك
نفسي وأحاول أن اكون ولدًا طيبًا،
كانت أُمي معلمة ماهرة
تعلم أخي الصَّغير المشي،
تعلّمه كيف ينطق
الكلمات بسلاسة
إلاّ كلمة واحدة أخفتها عنه
حينَ يقول: بابا، تفتح الباب
وتظل تنتظره أبي
الّذي عاد من الحربِ
بساقٍ واحدة.
أُمي تطهو الجوع بمهارة
أذكر مرّة طهت حساء لذيذًا بطعمِ الصبرِ،
و أذكر مرّة خرّجت حافية
تبحثُ عني في شوارعٍ مظلمة،
كانت تتبع رائحة الحليب
الذي يخرج من فمي،
كبرت قليلاً وأصبحت قادرًا
على الركضِ بسرعةِ في الأزقةِ كدراجةٍ ناريةٍ،
منذُ رحلت أُمي صرت مقعدًا
لا أنطق لا أتعثر
في خطواتي
أنظر إلى خطوط وجهي
لأعثر بكلمةٍ طيبة قديمة تقول: يا صغيري
لا تتأخر ليلاً.
===============================
مفعمٌ مثّل غيمة
متعبة...
تنز عرق جبينها علَى الأرضِ،
الأرضُ فقاعة مدورة رقيقة تحلّق في الفضاء.
الشّمس غَليون السماء
تمدنا بالدفءِ.
البحر مهمازٌ يحرّض الموج
على السباقِ،
ماذا لو كنا مسخًا
تغيرنا في ظروفٍ غامضة.!
هلعٌ في الأزقةِ
سكارى يتبادلونَ
الشتائم،
القطط تتبع رائحة شواء العصافير،
الكلابُ تركض خلف..
السّيّارات،
أمام هذا الصمت
الرهيب
أعينٌ محدقة..
في إناراتِ شوارعِ
تترقب القادمون من جبِ الظّلامِ،
ثمَّة خوف مهول
في الخارج.
آهٍ كم تبدو..
هذهِ السماء مرآةٌ كبيرة أمام هذا الجسد
الصَّغير...؟!
كم تبدو..
هذهِ البحارُ مخاضًا كثير
والأرضُ امرأةٌ تبلغُ من العُمرِ
حزنٍ عسير...؟!
======================
أنا أيضًا خائفٌ مثلكِ
كانَ يكفي أنْ أصمتَ قُرابةُ
كأسين مِن الثمالةِ
كَيْ تخبو لعنةَ النارِ في صدّري،
الأحداثُ المريبةُ
تأخذُ
حيزًا
واسعًا،
شتاءاتٌ صفراءُ مُبللةٌ بدموعِ نساءٍ ثُكَالىَ..
تنشدُ ألوانَ الطيفِ السبعةِ
لننجو..
من غرقٍ
أبديٍّ..
من طوفانٍ
محتومٍ .!
شتاءاتٌ توخزُ
الأطرافَ..
تلسعُ بلسانِ أفعى عَطْشىٰ، النّجومُ قشورٌ طفحتْ
عن جلدِ النساءِ وهنَّ يخبزنَ
علَى دفء الشّمسِ
الممتدّةِ على ظهرِ النَّهرِ
يخبزنَ صدفًا نادِرةً مواقيت منتَظَرةً،
نهاراتُ الصيفِ تعشوشبُ
في دورقٍ صغيرٍ..
تُريد أن تعيشَ عُمرًا
طويلًا، أقل من عُمرِ الفراشاتِ.!
لكنَّ صوتًا ما
قادمًا من غيمةٍ
مغبرةٍ
يهطلُ فوقَ
حقولِ..
التبغِ
ثُم تتيبسُ
الحقولُ الهجيرةُ،
ثمَّة شجنٌ دفينٌ ومواويلٌ في حناجرٍ مزمجرةِ،
"لكنّ طينَ
الجداولِ دبغَ
جِلدَ العشبِ..."
يهبطُ اللّيلُ و يرتفعُ النهارُ
يهبطُ النهارُ و يرتفعُ اللّيلُ تتوارى
خلفَ عَباءة الآفاقِ،
وهكذا نظلُ نخبزُ..
و نمارسُ الجنسَ ثُم ننامُ.!
========================
شريط أسود أعلى الرأس
علَى زاويةٍ ما.. زاوية منحرفةٌ تشيرُ
إلى تفاصيلٍ مُميتة،
إبرٌ.. خيوطٌ.. تحوكُ دمىٰ
نوخزُ مقلتِيها وأطرافها.. لطردِ تعويذاتٍ شيطانيةٍ...
أزرارٌ منفلتةٌ
من أعلى صدورٍ لاطمة،
في درجِ، مقصٌ،
لظفيرةٍ كهدير حمامةٍ هائمةٍ
في سماءٍ غبراء،
إكسيرٌ مندهشٌ
من سرعةِ
نجمةٍ
برّاقةٍ خاطفةٍ..
تهبُ شجنَها لشجرةٍ
غارقةٍ في الوحلِ
و النوم.!
إنّي أكبرُ تعاسة.. وأصغرُ سعادة، وأموت ببطء..
ثم يتكرر..
الأمر في الغدِ.
هكذا يردِّدُ وجهٌ يائسٌ مثلي؛
ماكثٌ بيّن هالتين سوداوين.!
نبرةٌ حزينة
موسيقاها تخطو هدجةٌ علَى حصى ناعمٍ،
ليلة حافيةٌ مثّل رأس
قاحلة،
يرتشفُ قُبلة من ريحٍ ظَمْأَى..
من ساحلٍ أنتزعَ
جلده قُرابة الشاطئ؛
هذهِ هيَّ رأسي كطائرٍ أعزل.. لا مأوى إليهِ.. يرقصُ
فرحًا بدُّجَىٰ أعمى..
فيغني أغنيتهِ الأخيرة
ثُم ينام طويلا.!
=========================
إنّني أبعدُ من النظر إليَّ
و أقربُ من أن أكون بعيدا عني؛
بخطوتينِ خجولتينِ
أعود إلى الوراء..
أعود لليلٍ مزيفٍ مضاء
بالألوانِ الخافتة
شمعدان فوق طاولةٍ
يصارعُ موجةَ الظّلام.. مَن أنت..أيها.. الخفي..
مُختبئٌ خلف عَباءةٍ مهترئة تتربّص بي
بوجهٍ ممزوجٍ
بالغرابةِ..!
إنّني أقرب من أن أكونَ هشًا ،
و أقربُ من كوني أخرَ ضرسٍ
في فكِ عجوزٍ تحسبُ أن اللّيل آفةً زراعيةً
يآكلُ ضوء نهاراتها
ويجففُ نسغ أشجارها،
إنّي أشبهُ مُدنًا
بنوافذٍ ضيّقة
لَا بصيص
أمل ينفّذ
من جُدرانِها
الخراسانية المتينة.
كان يُمكن أن
أموتَ موتًا
عاديًا خالدًا
بقليلٍ من التعبِ
والحسرة
لو أن وجد
"أنكيدو"
ضَالتهُ
الخالدة
في صدّري
فهيَّ تنمو
علَى شكّلِ عشبةِ حُبٍّ و حزن
أبديةٌ في داخلي.!
=======================
طيب جدًا لدرجة
إنّني أبتلع لساني الّذي يُحاول يقول: كفى
حتّى الطّريق
الّذي كنتُ أسلكه دائمًا ما
يسقطني أرضًا،
لقد تعلمت
من الوحدة الشجاعة فمنذُ
صغري وأنا نائم
في الظّلام
كثير النسْيان
مرّة تركتُ ظِلّيَ نائمًا علَى جانبي الطّريق
مرّة تركتني في المرآة
وأذكر مرّة وجدتني صدفة
فلم أتعرف عليَّ...!
==============================
كنتُ رجلاً عاديًا
لا يفكّر بالحُبِّ ولا يعرف عنه شيئا
يتركُ قميصه الأسود
معلقًا في خزانةِ
الملابسِ
وساعته اليدوية علَى الرف
حتّى قلبي كنت أنتزعهُ عندما أخرج للمقهى
لكنْ حياتي تغيّرت
كما تتغيّر الأرقام في الساعات
الإلكترونية
عندما خَطا جسدكِ
من أمامي مسرعًا كثّانيةٍ واحدةٍ
ومن تلك الثّانية
عرفتُ معنى
الوقت الّذي هدرته بعيدًا عنكِ،
...
دعي الرَّيح تفعلُ
فعلتها ما زَال هُناك
شمع في درج
و موسيقىٰ
تصدح على طاولةِ لم نكبر يا حبيبتي
اتركي من يدّيكِ إبريق الشاي
و دعي اللّيل يهبط
علَى شعركِ..شعركِ تزينه
فراشات زرقاء تتلألأ
كأنها مجرة نجوم
تهبط علَى كتفيك الصغيرتين،
في هذا السوادِ
تبرقينَ كقطعِ بلور؛
بينما أنا آكل
الخبز بعيدًا عَنكِ يمر الوقت
على صدّري كسكينٍ أعمىٰ فيتركُ
ندوبًا و جرحًا غائرًا
تسيل منه قصائدًا رديئة،
...
أحلمُ بحياة
بسيطة..
أقضي ما تبقّى من العُمرِ
بصناعة كراسي خشبية وزراعة الورود؛
معًا نبني قنا ونربي
الدجاج ونجمع البيض
في الصّباح،
نطلي جُدران وحدتنا
بأصباغ أظافركِ
ثُم نرتب السرير و نعفر الغرف
ونطهو مرق الدجاج سويةً؛
هكذا أحلمُ بحياةٍ
بسيطة نرسلُ رسائلنا
بقاربٍ ورقي فيذوب في أول
موجة حُبّ عارمة
تجتاحُ قلبينا الرقيقين.
======================
في مربعٍ ضيقٍ
أسكن لَا أكلم أحدا، لَا أخرج مع الأطفال،
أقضي كُلّ وقتي
بالبكاءِ
ثُم أتقوقع داخل رأسي
و أطارد الأفكار
التي تصيبني بذعر،
قبل قليل
حطّمتُ المرآة كي أرى كم
وجهًا غريبًا
أحمل...
هذهِ يدي ملعونةٌ
مصابة برعاشِ هِيّ فقط ترتعشُ
لَا تقف كأنها
راقصة في نادي ليلي
كأنها قصيدة
تبحثُ عن عاشقينِ غادرهما الحُبُّ
كأنها ورقة في دوامةٍ
هذهِ يدي
تضيّع كلّ شيء تمسكه
أذكر مرّة في الزحام
تركتني وللحظةِ لم أعثر عليَّ
مباحٌ رأسي
للجميع..
في زاويةٍ عامة يجهشُ بالبكاءِ
يقف كطفلٍ أضاع أمه
و محاطٌ بوجوهٍ غريبة
هو يبكي
دون انقطاع
هَذَا أنا أبكي لأني أضعت
والديَّ للأبد.
=======================
عشرون نص للشاعر العراقي مهند المهند
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
24 يونيو
Rating:
ليست هناك تعليقات: