انفصال ..قصة قصيرة ..محمد الطايع / المغرب
انفصال ..
( أحيانا.. لانكون مطالبين بمعرفة دوافعهم )
قصة قصيرة ..
على الطريق الفاصلة بين صالون الزينة والبيت، حاولت حفصة أن تطرد الأفكار السيئة من دماغها، مرجحة أن المرأة قد وقعت في خلط ما، ومن واجبها ألا تعطي تلك الكلمات فوق ما تستحق، حتى أنها لن تكلف نفسها عناء التأكد من صحتها.. لأنه لايمكن لسارة أن تقصد هذا الكلام أبدا.. فلابد أن الحكاية كلها محض مزحة عابرة..
في البيت لاحظ زوج حفصة وُجُومها وشرودها، فسألها عما يشغلها، فأخبرته أنه قد بلغها عن صديقتها سارة قولها للناس: سوف أضع حدا لعلاقتي مع حفصة.
قال الزوج مندهشا:
- إن جاءكم فاسق بنبأ، فتبينوا..
- صدق الله العظيم، ولكن هل تعلم من أخبرني..؟ إنها الحاجة فاطمة..
قال الزوج:
- هذه امرأة لم نعهد عنها الكذب..
بعد تناولها وجبة العشاء، دخلت حفصة غرفة النوم، فخطر لها أن تجري دردشة خفيفة مع سارة، اتصلت بها مرة، ومرتين، ثم ثلاثة، ولا جواب..
مالم تتوقعه.. أن تكتشف بعد هنيهة أن صديقتها العزيزة، قد حظرتها من جميع وسائط التواصل الاجتماعي، حينئذ.. راحت تنقل في حيرة نظراتها، بين الهاتف وبين وجه زوجها الذي لم يجد ما يطمئنها به.
في صباح الغد.. خانها التركيز في العمل، ولأن مهمة تأكيد قوائم ساعات اشتغال العمال على حاسوب الادارة، تشترط الكثير من الانتباه.. أعلمت الإدارة أنها تعاني صداعا حادا، ثم غادرت قبل موعد الخروج بساعات.
بعد تنفسها هواء الحديقة المجاورة، عاودت الاتصال بسارة مرة أخرى، خمس مرات متتالية، إلى جميع أرقام صاحبتها التي تملك. لكن.. دون فائدة.
بعدها.. خطر لها أن تسأل عنها بعض الأصدقاء والصديقات، فكان أن أخبروها: أن سارة تتواصل معهم بشكل عادي، وأنهم لم يلحظوا عليها أي سلوك مختلف. إلا صديقة مشتركة على فايسبوك، قالت أن سارة نشرت على صفحتها تدوينة تحذر فيها من غدر الأصدقاء المقربين.
لم تطق حفصة صبرا.. ركضت في اتجاه موقف سيارات الأجرة، وقررت أن تعرف الحقيقة من سارة مباشرة في مقر عملها.
إثر وصولها، توجهت في خطى واسعة نحو مدخل العمارة.. حيث مكتب شركة سارة للبيع والشراء -المتوسطة الميزانية- فإذا بالحارس يوقفها، ويطلب منها الانتظار، حتى تأذن لها المديرة بالصعود. تراجعت حفصة للخلف متسائلة: متى كنتُ في حاجة إلى الاذن كي أدخل هذا المكان؟!
ثوان معدودات.. هاتف الحارس خلالها مشغلته ثم التفت إلى حفصة معتذرا:
- آسف سيدتي، السيدة لم تأذن لك..
لم تدر حفصة ما الذي تغير في هذا العالم دون علمها. على غير هدى تركت قدميها للأرصفة.. متجاهلة اتصال زوجها المتكرر، حتى بلغت حديقة فارغة، هناك جلست تتأمل المكان، دون أن يعني لها المكان شيئا. فلم تزل ساهمة حتى استعادت بعض هدوئها، فاتصلت بزوجها، ثم قررت أن تسبق سارة إلى مكانها المفضل.
المكان، مقهى وسط المدينة الجديدة. وعلى غير العادة، لم يقابلها النادل بنفس الحفاوة السابقة، بعد دقائق.. أرخت السمع لوشوشة بعض معارف سارة الذين لاتستلطفهم حفصة، فلم تظفر منهم بشيء. كانوا يختلسون النظر إليها، ويبتسمون خفية.
في النهاية.. تأكدت حفصة أن سارة لن تحضر. استقلت سيارة أجرة إلى بيت صديقتها، حيث انتظرت ربع ساعة عند باب العمارة، غير مصدقة مايحدث، بينما راح البواب يتوسلها بصوت خافت:
- أبق الأمر سرا بيننا سيدة حفصة، لا تخبري الأستاذة سارة بما أخبرتك به.
مالم تتوقعه حفصة، أن كريم زوج سارة، قام بحظر أرقام أيوب زوجها أيضا، لكن وعلى مايبدو، لم يكن للأمر أهمية بالنسبة للرجلين، كل الذي قاله أيوب تعليقا على ماحدث:
- أنا أصلا لم أكن أعامله بلطف.. إلا مراعاة لصداقتك مع زوجته، وهو أيضا كان ينتظر أول فرصة للتخلص مني..
بعد يومين.. ذهبت حفصة إلى البنك ثم طلبت من الموظف أن يحول مبلغ خمسة آلاف درهم إلى حساب سارة. لكن الموظف أخبرها أن ذلك الحساب قد تم إقفاله. سحبت حفصة المبلغ نقدا، ثم اتصلت بصديقةٍ تأتمنها، وكلفتها بتسليم النقود لسارة، ثم طلبت منها أن تطرح عليها سؤالا:
- ما الذي أغضبك مني يا أختي العزيزة ؟
في المساء، عادت الصديقة آسفة، ثم قالت: سارة ترفض تسلم النقود. وترفض الإجابة عن سؤالك أيضا.
حملت حفصة ذلك المبلغ إلى الحاجة فاطمة صاحبة صالون الزينة، وطلبت منها أن تسلمه لسارة:
- إنها خمسة آلاف درهم، ساعَدَتني بها حين كنت أمر بأزمة..
- هل كانت سلفة؟
- لا ، كانت هبة منها، وقد رفضتْ تسلمها يوم أعدتها إليها.
- ولماذا ستعيدينها الآن؟
- أرجوك سيدتي.. حاولي أن تقنعيها بأخذها، كما أنني أريدك أن تعرفي منها سبب غضبها مني، فأنا والله، لا أملك أي فكرة عن سبب انقلابها.
صبيحة الغد، أعادت الحاجة فاطمة حزمة النقود لحفصة، ثم أخبرتها أن سارة تقول: إنها لاتتذكر أي شيء عن هذه النقود المزعومة.
أما عن سبب القطيعة.. فإنها قد اكتفت بالقول: لست ملزمة بأي تبرير..
مرت الأيام بالغة الثقل.. تبعثرت حفصة وساءت معناوياتها.. حتى أوشكت أن تنهار بسبب الأرق والهواجس والقلق والشكوك.
تُقَلِّبُ صفحات الذكريات من جميع أوجهها، مجهدة نفسها في استحضار التفاصيل والوقائع والمواقف والأوقات التي جمعتها بصديقة العمر. عساها تنتبه لزلة أو هفوة تمنح صاحبتها مبررا.. ولكن..
لم تسعفها ذاكرتها بأي شيء.. فكان أن حزنت حزنا شديدا، حيث لم تفلح محاولات الزوج والأصدقاء، في إقناعها بنسيان الأمر.. والاهتمام لشؤونها.
لم تتمكن حفصة من تجاوز هذا الأمر، فإذا بها تقرر التربص بصديقتها ومطاردتها، عساها تسمع منها تفسيرا لما وقع، فكان أن توارت خلف أشجار الرصيف، ذات صباح أحد، شبيه بمئات الصباحات الرائعة التي جمعتهما معا، منذ أيام المراهقة. وبينما توجهت سارة إلى أحد المتاجر القريبة من مسكنها، فاجأتها حفصة معترضة طريقها..
- أخبريني ماذا هناك؟ ما الذي حدث؟ هل أوقع أحدهم بيننا؟ أخبرني فقط، وأنا أجيبك بكل وضوح، ألسنا أصدقاء؟ ألست شقيقتي؟ ألم نتعاهد على البقاء معا طوال العمر؟ من حقي عليك أن تكوني واضحة معي، تكلمي.. ولو تلميحا، لماذا ترفضين مقابلتي؟
نظرت سارة إلى وجه حفصة، دون أن تخرج كفيها من جيبَيْ معطفها، ثم قالت:
- لاشيء، لاشيء..
- كيف لاشيء؟ جوابك هذا غير منطقي!!
- اسمعيني جيدا يا حفصة.. سوف أكررها بوضوح كي تفهمي كلامي.. لاشيء يمكنني قوله.. ولست ملزمة بإعطائك أي تبرير.
حدقت حفصة في وجه سارة طويلا، قاومت رغبتها في البكاء، وهي تشعر بالغبن والإهانة، مع أسوأ المشاعر، في موقف لم تتخيله يوما.. بينما لم تتحرك سارة من مكانها، حتى تأكدت بأنه لم يعد لدى حفصة ما تضيفه..
ثم افترقتا..
كل واحدة في اتجاه.
محمد الطايع ..
جميل سيدي محمد دام التألق والإبداع
ردحذف