الغد بقلم محمود طارقي تونس


يوجد شيء ما يجعلك تتأمل امرأة جميلة طويلا
ولا يتحرّك أي شيء بداخلك
إلّا الملل...
نفس ذلك الشيء الذي يجعلك تُغادر الجامع في منتصف الصّلاة،
لتُكمل بقيّة الرّكعات في صدرك وأنت تسير في شارع فارغ...
ذلك الشيء الذي يدفعك إلى مغادرة قاعة السينما قبل بداية العرض
وأنت متأكّد أنّ صديقتك لن تنتبه إلى أنّ الكرسي الذي بجانبها قد صار فارغا
لأنّ فيلما، حتى لو كان سيّئا، سيُغنيها عن حضورك...
الشيء الذي يجعلك لا تكلّم والدك لثلاثة أيام،
ويجعله هو أيضا لا ينتبه إلى أنّه لم يكلّمك منذ نفس المدّة...
ذلك الشيء الغريب الذي يجعل امرأة تبكي بحرقة
لمجرد أنّها كسرت صحنا،
ثم تُجفّف دموعها بيديها المبلّلتين
وتُواصل غسل بقيّة الصّحون...
الشيء الذي يجعل صديقين يلتقيان بعد عام
فيكتفيان بتحيّة سريعة بحاجبيهما
ثم يُسرعان في مشيتيهما
هربا من أيّ كلمة قد تفتح حوارا بينهما...
ذلك الشيء الذي ستراه في عيون الأطباء والمرضى
والأطفال والشيوخ
والقضاة والمتهمين
والصادقين والكذابين
والشرفاء والمرتشين...
الشيء الذي سيجعلك تغادر جنازة قبل دفن الميّت،
لتُشيّع الأحياء بعينيك خارج المقبرة
أو لتضحك من نفسك
لأنّك لن تستطيع أن تحضر جنازتك...
ذلك الشيء الذي ينتشر كوباء،
ويصيب الجميع...
إنه المرض الذي نعاني منه جميعا
ودون استثناء،
فجميعنا مصابون بالغد.
الغد بقلم محمود طارقي تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 10 سبتمبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.