نصف سيّئ...هيثم الأمين/ تونس
نصف سيّئ
ـــــــــــــــــــــــ
أنا رجل نصف سيّئ
لأنّي حين أغادر بيتنا.. لا أحمل معي رأسي!
أنا أترك رأسي
في مكان آمن:
أحيانا، داخل خزانة ملابسي
أو في القبو مع كلّ تلك الأشياء القديمة التي ما عادت تصلح لشيء!
قد أخفيه داخل علبة فارغة
أو تحت السّرير خوفا من اللّصوص
وربّما، بحذر شديد، أملؤه بغاز الهيليوم
وكبالون
أتركه يلعب مع الأطفال، داخل بيتنا
وهكذا
لا تدخله الأفكار اللّيبيراليّة
على متن السّيّارات الفارهة
أو بين كراميش تنّورة قصيرة تبوّلت تحتها
من كثرة الشّرب
ومن أصابع مشاغبة كانت تعلّمها
كيفَ تُطعم حمامَتَيْ صدرها
لقطط الرّفيق
فتصير امرأة ثوريّة !
كذلك
أنا أترك رأسي في البيت
حتّى لا يفتح أراضيه غزاة قادمون، على صهوة الموت، من وحي الله
فأضطرّ أن أصدّق
-كما يزعمون-
أنّ الله مجرّد موظّف في سلك المخابرات
لا يتوقّف عن التّلصّص علينا !
في البيت،
أضع رأسي، بالمقلوب، فوق جسدي
أو فوق الطاولة
أو تحت حذاء هذياني
ونحاول، كصديقَيْنِ عدوّيْنِ، أن نرى الأشياء بشكل أوضح
فأعشق هذا الله
الذي بوسعه أن يغفر للتّنورة القصيرة التي تبوّلت تحتها
ويغفر لي كلّ قصائدي !
أنا رجل نصف سيّئ؛
خارج الشّعر، لي حبيبة واحدة
أدخل بيتها من الشّبّاك،
أنسى أن أجلب لها معي ورودا من الحديقة العامّة !
هي لا تحبّ الشكولاتة
وأنا لا أحاول أن أكتب فيها قصيدة كلّ يوم !
أنا.. كرجل أنيق و نصف سيّئ
لا أسألها، كثيرا، عن أحوالها حتّى لا تضجر منّي
ولكنّي
أسألها كثيرا جدّا:
متى سيحضر الطّعام؟!!!
أسألها: لِمَ تُنفقين كثيرا جدّا ولمَ تغارين من تلك التنّورة القصيرة المكرمشة؟ !!
خارج الشّعر،
لا أقول لحبيبتي "أحبّكِ"، كلّ يوم !
لا أسمح لها بأن تنام على صدري
لأنّ القولون العصبيّ لن يسمح لي بالنّوم و أنا أستلقي على ظهري !
و أنا لا بدّ لي أن أستيقظ باكرا جدّا
حتى لا يسبقني كلّ هذا الحزن إلى يومي !
خارج الشّعر،
لي حبيبة واحدة
لا أقول لها أنّها تشبه دمية "باربي"
وأنّي "كوازيمودو" الطّفل مازلتُ أرى "آزميرالدا" في أحلامي !
أنا رجل نصف سيّئ
مذ أصاب أصابعي الشِّعر
وأنا لا أعرف حبيباتي اللّواتي أكتُب عنهنّ !
لا أرى وجوههنّ بشكل واضح وتختلط مقاساتهنّ على أصابعي !
في القصائد،
كلّما كتبتُ عن حبيبة لي
أتيت لها بالورود من حدائق السّماء،
زيّنت شعرها بالنّجوم،
أقول لها: لون "أحبّك" عينيك "أحبّك" يشبه "أحبّك" حزني "أحبّك"...
حتّى و أنا أمضغ الطّعام
أغمغم، مع كلّ تحريكة فكّ، "أحبّك"
وأُنَيّْمُها في عيوني
بعد أن أزرع لها، على صدري:
شاطئا، بحرا، سماء زرقاء، نوارس و شمسا
لتشرب قهوتها، في الصّباح، على مشهد رائق
حين سأحاول، أنا، أن أسبق كلّ هذا الحزن إلى يومي
و أتركها نائمة في عيوني...
أنا رجل نصف سيّئ
كلّما نَبَتَتْ على ظهري محطّة و قطارات
عَزَف المُسافرون عن الرّجوع
وعَزَفْتُ عن الالتحاق بهم.
ليست هناك تعليقات: