قراءة في نص وِجْهَةُ حَجَر للشاعر المغربي حسن المختار بن محمد

قصيدة "وجهة حجر" للشاعر المغربي حسن المختار بن محمد  تثير الكثير من التأملات حول طبيعة الكتابة والوجود. القصيدة تنقسم إلى ثلاثة أجزاء رئيسية: استهلال، وجهات مضمرة، وعلى سبيل القفلة. كل جزء يحمل معانٍ فلسفية عميقة تركز على علاقة الإنسان بالعناصر الطبيعية وتجربته الشخصية مع الكتابة والحياة.

 1-استهلال:
في هذا الجزء، يقارن الشاعر بين تجربتي القراءة والكتابة. يرى أن *القراءة*تمده بالحياة والحرية وتسمح له بالتجدد المستمر، في حين أن *الكتابة*تقيده وتجعله يشعر بالوحدة والجمود. يشير إلى الكتابة كحجر يُلقى في بركة القراءة، وكأنها فعل ثقيل يقيد حركته ويحد من انطلاقه. هذا الوصف يوحي بأن الكتابة، على الرغم من قوتها، قد تكون قاسية وباردة، وتعبر عن عزلة داخلية عميقة يعيشها الشاعر.

2-وجهات مضمرة:
في هذا القسم يبدأ الشاعر بتخيل ماذا لو كانت الطبيعة والكائنات الأخرى قادرة على الكتابة. 
- *الوردة*ستكتب عن عبيرها وكأنها تروي جمالها الداخلي.
- *النجمة*سترثي أفولها كناية عن الفناء والزوال.
- *الدعسوقة*ستهجو أقدام العابرين وهي صورة ساخرة عن مدى هشاشة الكائنات أمام قسوة العالم.

ثم ينتقل لتصور الليل والنهار والماء والنار والحجر، كل منها بوجهة نظره الخاصة عن العالم:
- *الليل* سيمقت الكوابيس التي تُنسب إليه رغم أنها ليست من صنعه.
- *النهار*سيحاول محو خطايا البشر التي تُسطر على صفحاته.
- *الماء*سيشهد نزاعاً داخلياً بين عناصره الأساسية (الأكسجين والهيدروجين)، متنبئاً بإمكانية إبادة العالم.
- *النار*ستشير بأصابع الاتهام إلى البشر الذين يشعلونها.

هذه الصور تقدم لنا *فلسفة الطبيعة*
حيث تعبر العناصر عن عذاباتها وصراعاتها مع الوجود البشري. لكن الأهم هو *الحجر*الذي يتبرأ من أسطورة سيزيف مما يعكس استسلامه للقدر رغم ثباته وقوته. 
3- على سبيل القفلة:
في النهاية، يعود الشاعر إلى ذاته بعد 30 سنة من الكتابة، معبراً عن عجزه عن الوصول إلى فكرته أو حتى استيعابها. 
ولكنه يدرك في نفس الوقت أن *فكرته*هي تجسيد لكل تلك العناصر التي تمنى لو أتيحت لها فرصة الكتابة. 
في هذا القسم الشاعر حسن يصالح بين هويته الفردية والطبيعة فهو الوردة والنجمة والليل والنهار والماء والنار والحجر، وهو أيضاً الحشرة التي تقاوم السحق. الشاعر هنا يؤكد أنه جزء من هذا العالم بكل تعقيداته وانكساراته.

في النهاية، يعود الشاعر ليثبت وجوده كـ"حجر كريم استقر في القاع"، موحياً بأنه، رغم كل محاولاته للكتابة والتعبير، اختار أن يكون ثابتاً وغير مضطرب في عالم مليء بالتحولات.

الخلاصة:
القصيدة هي تأمل فلسفي عميق حول الكتابة، الوجود، والطبيعة. الشاعر يقارن بين القراءة والكتابة، ويعبر عن عزلة الكاتب في مواجهة العالم. كما أنه يتخيل حوارات بين الكائنات والعناصر الطبيعية، ليكشف عن رؤيتها الخاصة للعالم. في النهاية، يعبر الشاعر عن هويته كجزء من تلك العناصر، لكنه يحتفظ بنوع من الثبات والافتخار رغم كل الانكسارات.

قصيدة تعكس الصراع الداخلي بين الأمل والإحباط، وبين الانطلاق والتقيد، لكنها تنتهي بالتصالح مع الذات والعالم.

من خلال قراءة وتحليل قصيدة "وجهة حجر" للشاعر المغربي حسن المختار بن محمد يبدو أنه تأثر بعدة *نهوج شعرية وفلسفية* قديمة وحديثة، فضلاً عن تأثره بشعراء بارزين في الأدب العربي والعالمي ومنهم 
محمود درويش: يظهر في القصيدة نوع من التأمل العميق حول الذات والوجود والعالم، وهو ما نجده في الكثير من أشعار محمود درويش. مثل درويش
بن محمد يتناول مواضيع الفناء، الزمن، والعلاقة بين الإنسان والطبيعة بشكل فلسفي عميق.

  
التأثر بالشعراء الصوفيين:
- جلال الدين الرومي و ابن عربي: الشاعر هنا، كما هو الحال مع الشعراء الصوفيين، يتعامل مع الطبيعة والكائنات كأطراف مشاركة في تأملاته الروحية. هناك حس عميق بالاتحاد مع الكون والعناصر الطبيعية، وهو ما يعكس فكرة الوَحدة الكونية في الشعر الصوفي. يمكن رؤية ذلك في تجسيد الشاعر للعناصر الطبيعية وكأنها كائنات واعية تكتب وتتحدث عن تجربتها الخاصة مع الحياة.

3-النهج السريالي:
في توظيفه للخيال المفرط والرمزية المعقدة، يظهر تأثر بن محمد  بالشعر السريالي. استخدامه لتصوير الأشياء كالكائنات الحية التي تكتب مثل الوردة، النجمة، الحجر يعكس هذا النهج. الشعر السريالي يسعى غالباً إلى كسر الحدود التقليدية بين الواقع والخيال، وهو ما نراه في هذه القصيدة.

4-تأثير الأسطورة والميثولوجيا:
- ميثولوجيا سيزيف: الإشارة إلى أسطورة سيزيف التي تتمحور حول عبثية الجهد الإنساني وتكراره بلا جدوى، توحي بأن الشاعر يستلهم من الأدب الميثولوجي. استحضار هذه الأسطورة يعكس تأثر الشاعر بفكرة العبثية والتمرد على القدر، وهي موضوعات تناولها الكثير من الأدباء والفلاسفة مثل *ألبير كامو*.

5-النهج التأملي الوجودي:
من الواضح أن الشاعر يتبع نهجاً وجودياً في التعامل مع الكتابة والوجود، ويبدو أنه تأثر بفلسفة **جان بول سارتر** و**ألبير كامو**، حيث يعبر عن العزلة والعبثية والصراع مع المعنى في الحياة والكتابة. فكرة أن الكتابة قد تكون نوعاً من العزلة أو الحجر الذي يُلقي به في بركة، تعكس مشاعر الاغتراب الوجودي.

 6-التأثر بالشعراء الرمزيين:
هناك تشابه في الطريقة التي يستخدم بها الشاعر الرموز والعناصر الطبيعية للتعبير عن مشاعر إنسانية مع شعراء مثل *بودلير*و*رمبو*حيث تصبح الطبيعة والكون مرآة لتأملات الشاعر الداخلية وصراعاته. استخدام العناصر الطبيعية كرموز يعكس تأثره بالمدرسة الرمزية في الشعر.

الخلاصة:
حسن المختار بن محمد  في قصيدته "وجهة حجر" يبدو متأثراً بعدة تيارات فلسفية وشعرية أبرزها الشعر الفلسفي الوجودي لشعراء مثل محمود درويش وأدونيس، بالإضافة إلى التأثيرات الصوفية من شعراء كابن عربي والرومي. كما تتضح تأثراته بالأسطورة والرمزية، مع لمحات من النهج السريالي والتأملات الوجودية التي تجعل من هذه القصيدة لوحة فلسفية متعددة الأبعاد.

▪ وِجْهَةُ حَجَر

◇ اِسْتِهْلَال

حين كنت أقرأ؛ 
كنت أتجدد و أتمدد باستمرار
و حين صرت أكتب؛ 
أصبحت نسخةً واحدة 
تَخْلَقُ و تتقلص بالتكرار
يبدو أن القراءةَ دِفْءٌ
و الكتابةَ وَحْدَةٌ باردة
تحت الصفر
الكتابةُ حَجَرٌ في بِرْكَةِ القراءة

◇ وِجْهَاتٌ مُضْمَرَة

إذا قُدِّرَ لوردة أن تكتبَ
سَتُطْرِي عبيرها
إذا قدر لنجمة أن تكتبَ
سترثي أفولها
إذا قدر لِدُعْسُوقَةٍ أن تكتبَ
ستهجو أقدام العابرين

لو قدر لليل أن يكتبَ
سيشتم الأرق و الكوابيس
التي لا دخل له فيها
لو قدر للنهار أن يكتبَ
سيمحو ما كتبته الخلائق
على صفحاته من الخطايا

لو أمكن للماء أن يكتبَ
سيتخاصم أوكسيجينُه و هيدروجينُه
على الحدود بينهما 
في أفق فكرة إبادة جماعية للعالم
لو أمكن للنار أن تكتبَ
ستشير بألسنة الاتهام 
إلى من يضرمها متلذذا
بعيدا عن فكرة الماء

حتى الحجر
لو أُتِيحَتْ له الكتابةُ
سوف يَتَبَرَّأُ من ظَهْرِ (سيزيف)

أما الهواء فلن يكتبَ
سوى ملحمة الحياة 
و هي تقايض الغابة 
من أجل امتصاص (ثاني أوكسيد كاربون) البشرية

منذ ثلاثين سنة أَكْتُبُ !!!
لم أحسن أن أكون 
مثل وردة أو نجمة
أو ليلا أو نهارا 
أو ماء أو نارا
أو حجرا أو ذرة من هواء
و لا حتى حشرة تتقن هجاء آلاف الأقدام
التي داستها خطأ 
أو حتى عنوة

منذ ثلاثين سنة أكتبُ
لم أستطع أن أُبَلِّغَ فكرتي
و لا أن أَبْلَعَها
لعل فِكْرَتِي 
هي كُلُّ تِلْكُمُ العناصرِ
لو أُتِيحَ لها أن تَكْتُبَ

فِكْرَتِي هي الوردةُ و النجمةُ 
الليل و النهارُ
الماءُ و النارُ
الحَجَرُ و الهواءُ

هي الحَشَرَةُ التي تستعصي على السَّحْقِ
حتى و إن داسَتْها كل أقدام العالَم 

◇ عَلَى سَبِيلِ القَفْلَة

فِكْرَتِي هي (أَنَا) 
بكل انكسارٍ
و هي تُرَاقِبُ كُلَّ تِلْكُمُ العناصرِ
بكُلِّ افتخارٍ
حَجَرٌ كريمٌ اسْتَقَرَّ في القَاعِ
دون أن يَرُجَّ البِرْكَة...



 

قراءة في نص وِجْهَةُ حَجَر للشاعر المغربي حسن المختار بن محمد Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 27 سبتمبر Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.