قصيدة فارغة ...هيثم الأمين / تونس
قصيدة فارغة
ــــــــــــــــــــ
أصنع من اللّغة قصائد فارغة،
أتركها جانبا.. لتجفّ/ لتُنسى
ثمّ أمضي...
خارج اللّغة،
يتحوّل الشّعراء
إلى جنائز لا تحمل تصاريح بالدّفن !
يتحوّلون إلى صناديق قمامة تستوطنها كلاب لا تتوقّف عن النّباح
أو إلى كراسي، في حانات رخيصة، لنساء عابرات
وقد يتحوّل الشّعراء
إلى فراشات محنّطة و نباتات زينة بلاستيكيّة
تزيّن الغرف الضّيقة !!
خارج اللّغة،
لا أُشبه ظلّي في شيء و لا نحمل نفس الأسماءْ...
كمهرّج عجوز يحمل سيركا قديما، على ظهره
ويرتدي وجهه بالمقلوب ليُضحك المدينة:
أنا !!
بينما ظلّي
يتشمّم إبطيه ليتأكّد من اكتمال أناقته
ويذهب إلى الحبّ دون حزن يُذكر !
خارج اللّغة،
ضفدع ثرثار ينطّ إلى داخل رأسي.. و يبدأ الغناء !
خيول فزعة تصهل في حنجرتي،
كعناكب تتدلّى أسماء كثيرة من شفتي السّفلى،
يبتسم وجهي في وجه وجهي الذي في المرآة
قبل أن تُسقِطَه أصابع الماء
وفي الزّاوية،
مازال صباحي نائما كقطّ كسول رغم كلّ أصابعي التي تشير نحو الضّوء !
في قبضة اللّغة،
تكبر في اسمي الأشياء:
تكبر بذرة الخلق التي زرعها اللّه في أوّل حروف اسمي
وتصير غابة مجاز !
من آخر حرف
يمتدُّ الحريق
إلى كلّ شيء.. تقريبا !
بينما يكبُر،
بين أوّل حرف و آخر حرف من اسمي،
جرح تمّت إعادة ترميمه ليبدو كجسر
فأصرخ:
لا تشربوا النّهر كاملا
حتّى لا تسقط غابة المجاز في الحريق
فتضطرّ السّناجب و العصافير لاقتناء منازل اسمنتيّة، بالتّقسيط، من الحكومة !
في قبضة اللّغة،
يتوقّف المهرّج عن الرّقص،
يمسح ألوانه بحذر شديد حتّى لا يمسح معها وجهه القديم الذي يعرفه
ثمّ يذهب ليشرب قهوة مرّة مع رفاق حزنه
بينما يجلس الشّاعر
على رأسه
و يبدأ بالدّوران و طحن اللّغة.. كرحاة جدّتي
ويحلم بمؤونة من الشِّعر تكفيه طول فصول الصّمت !!
خارج اللّغة،
أفتّش داخل علب الوقت عن قصائد فارغة كنت قد تركتها.. هناك.. لتجفّ/ لتُنسى؛
أملأ القصائد الفارغة
بجنائزي التي لم تحصل على تصاريح بالدّفن،
بكلاب كانت تطاردني كلّما تسلّل الشّعر إلى أصابعي،
بجثث خيول كانت تصهل في حنجرتي فاغتالتها الأسماء التي تتدلّى من شفتي السّفلى،
بألوان المهرّج التي نسيها عند المرآة
ثمّ ذهب عاريا منها إلى سريره
وبالكثير من الشّعر الذي لا يكفي لأكثر من صمت واحد !!
أمّا الضّفدع الذي نطّ إلى داخل رأسي في أوّل هذه القصيدة الفارغة
حين حاولت مسكه
نطّ من نافذة غرفتي.. وهرب !!
ليست هناك تعليقات: