نصوص من مخطوط جديد - غرفة بعينٍ واحدة للشاعر اليمني عبد الغني المخلافي .
[ تلويحة ]
كحلمٍ لم يولد
أنظرُ نحوَ سحابة حُبْلى
أقشرُ جسد الوقت
تتصاعد أفكاري
بأعينٍ مفقوءةٍ
دونَ ضفائرٍ أو نهودٍ
ألحاني نشاز .
أطلقُ نحنحتي
أمتصُ أصابع الكلمات
أقلمُ أظافر الأحرف
أشذبُ أغصان المعانى
أسْتَحْلبُ أثداء اللغة
أهزُ جذع الغفلة
أنبشُ قاعيَ المتصلب
ألوحُ لأسراب الطيورِ
يموجُ حقلي بالسنابلِ
ينقشع الغبار
يعانقني النسيم
كلما فتحتُ بابًا للقصيدة.
[ جفاء]
تقتات من قصائدي الأشجار
والعصافير والحيوانات
أركب الريح
أختلي مع الهوام والعناكب
أنبح مع الكلاب
وأموء مع القطط
أجلس مع الشعراء و الأدباء
و الفنانين
سألت رامبو:
لماذا غادرت الشعر
في رحيلك إلى عدن والحبشة
أجابني :
- السفر : كتابة شعر بلغة أخرى
َحدثني "الماغوط
ورياض الصالح الحسين
وبودلير"
عن قصيدة النثر بإعجاب.
بادلني "نجيب محفوظ
وماركيز وكافكا وماريو يوسا وكازنتزاكيس"
احتساء النصائح والنبيذ .
أثملني "أيوب وفيروز
و ميادة والعندليب"
رسمني "فان جوخ
وسلفادور دالي و دا فنشي"
وقاطعني أهلي .
[ استحالة ]
ربما صرتُ خفاشًا في مكانٍ بعيدٍ
عن مكايد النهارات
الطافحة بالحقد.
أو بُوْمًا يَنْعِقُ فوق الخرائب
والأماكن الخالية من البشر.
أو مغارةً تسكنها الهوام والكائنات الضعيفة..
عصيّةً عن التسلق.
أو عشبةً سامةً
تحمي نفسها من اجتثاث
وقَطع الأيادي .
أو صخرةً عظيمةً لا يحركها
بلدوزر آدمي.
أو وعاءً غيرَ صالحٍ لاحتواءِ
الوجبات الدسمة .
[ ازْدراء ]
لو تبلغ قصائدي القلوب المتحجرة
فتذيب جليدها..
تبعث إنسانيتها الميتة..
قصائدي لا تلبس الأحجية والغموض
مع ذلك لا تُصَافَح
لا تُدعى إلى المنازل
لا يفسح لها مكانًا للتحليق
بين القصائد الأخرى
تعامل بازدراء وكأنها وباء.
[ حِصْنٌ ]
القصيدة : منزلي الفسيح
سريري الوفير
رغيفي الساخن
زهري المتفتح عند الصباح
قمري المطل في المساء
مسرحي المكتظ بالكركرات
على باب الكلمة أستشفُ اللا مرئي
فوق بحيرة تفيض بالجمال
تبدو المعاني كالظباء
في المراعي الخضر
تتقاطر الصور في بَهاء اللحظة
وسحر الاِمتِلاء
أرتقي مكانًا لا تشوبه المدافع
أزدحمُ بالكواكب والمجرات
يهطل الإلهام
في مخيلتي كالمطر
أُخاصرُ القصيدة
على مرأى النجوم
أقول للحرب : لا مكانَ للموت
في حَيِّزِي المحصن
لا صوتَ يعلو علَى همسِ الشعر.
[ مرضى ]
إنهم
كالخفافيش يستعذبون الظلام،
كالفئران يستوطنون الجحور.
لا يسكنونَ منازل الضوء،
لا يقتفونَ مآثر الجمال
ولا يرتادونَ منابع المحبة.
يريدونكَ لا ترى أبعد من أنفكَ
لا تتأبط كِتَابَ شعرٍ
لا تتفوه بالقصيدةِ
تعادي النجوم والأغاني
لا تداعب قلمًا بين أصابعكَ.
ينتظرون موت كلماتكَ
سقوط روحكَ العالية في السماءِ
قلبكَ العامر بالأحرفِ
المسكون بالدهشةِ
النابض بالموسيقى.
يرتقبون غياب ربيعكَ
رحيل طيوركَ
جفاف حقولكَ المتماوجة بالحياة .
يتهامسون :
ما باله لا ينطفئ أبدًا
لا تنقطع أوتاره
ولا تكف حنجرته عن إطلاقِ الغناء.
[ عواء ]
عند الفجر لا سفنَ، لا ملاحينَ
يرسون..
الضواري تفترس بعضها
المخاوف تحتشد كالنمل
الستائر تنسدل دونَ حراكٍ
الأشجار تقف
صامتةً كالتماثيلِ
بلاَ حفيفٍ ولا هديل
فى أبراجِ الحمامِ
تنسد النوافذ
تنغلق الطرقات
بين شهيقٍ و زفيرٍ
تعوي الحرب.
[ اعتلاء ]
تعالي نعتلي مكانًا قريبًا
من السماء
نحاور النجوم
نتحدث إلى الله
عن أحزاننا المعرشة في الصدور
الكثيفة كالسّحب
المحتشدة في الأحداقِ
المنسكبة كالأمطار.
لعلّ معجزة سماوية تهب
فتلفظ الحرب
آخر طلقة من أمعائها
يلتئم الشتات
ينهزم الدمار،
تنعتق الرؤوس المذلولة
تلتحم القلوب المتباعدة
وتنطفئ البغضاء.
نصوص من مخطوطي الجديد - غرفة بعينٍ واحدة.
ليست هناك تعليقات: