خلف القصيدة ...ميرفت أبو حمزة / لبنان

 خلف القصيدة

_____________________


لن أحدّثَكَ عني

سأحدثُكَ عن تلكِ الغريبةِ 

حين كانت تقطعُ الدروبَ الوعرةَ

لتملأَ جِرارَ يومِها برشفةِ لقاءٍ

وتقفَ أمامكَ خرساءَ مترعةً بالقصائدِ ..

عن ذاك الصغيرِ 

بجيب قميصِها يسارَ صدرِها 

المتوثبِ دائماً كطفلِ كنغُرٍ 

يتمطى بعفويةٍ ليسترقَ النظرَ إليكَ

فتمسكُهُ بكلتا يديها

وتقولُ له الهسسس (عيب)

فَيَكُمُّ فمَهُ عن الخفق

ويتورمُ ، يتورمُ 

فتركضُ به بعيداً عنكَ 

لتقشرَ جلدَها عنهُ قبل أن يموتَ

وتعودَ إليكَ بلا لونٍ أو ملامحَ ..


لن أحدثَكَ عني ..

سأحدثُكَ عن تلك الطفلةِ

التي كانت تمشي بحقولِكَ الخضراءِ

وعندما تجدُ بركةَ ماءٍ

تشمّرُ عن ساقيها 

كي لا تبْتَلَّ بسوءِ فهمِ النواطيرِ

الواقفينَ كأسنانِ سحابٍ 

عند عشبِ صدرِكَ

وبعيداً عن عيونِ الضفادعِ النقاقةِ 

وبطونِها المنتفخةِ ..

حين كانت تمشي وتمشي 

حتى تتعبَ وتنامَ فتحلمَ 

ثم تصحوَ مذعورةً 

على عواءِ ذئابِ روحها الجائعة


لن أحدّثَكَ عني 

سأحدثُكَ عن تلك المرأةِ الأغنيةِ

التي كانت تصدحُ في أُذَيْنِ قلبِكَ

كمئذنةٍ متواضعةٍ في مدينةٍ مؤمنةٍ

وكيف كانت تدوزنُ أوردتَكَ وشرايينَكَ

على تراتيلِ نبضاتِ قلبِها 

حتى تنامَ ساجدة ثم تصحوَ 

في غرفةِ الإنعاش 

بين تردُّدِ المحطاتِ ورداءةِ البثِّ


لن أحدثَكَ عني

سأحدثُكَ عن تلك المقاتِلةِ القتيلةِ

حين غرستْ أصابعَها في بُطَيْنِ قلبِها

لتسحبَ منه الرصاصَ

وعبأتْ خيطَ الصبرِ بعينينِ مغمضتينِ

وأخذتْ ترتقُ صدرَها وهي تبتسمُ للموت

ثم أكملتْ في هذه الحياةِ بلا روحٍ 

     

لن أحدثَكَ عني

سأحدثًكَ عن حربٍ باردةٍ

أخذتْ تتسللُ بجليدِها حتى وصلَتْ

لآخِرِ الناجينَ على دفةِ بعرضِ البحرِ

كما بفيلمِ (تايتنك)

لكنها تفاجأتْ ببركانِ قلبٍ عاشقٍ

تفجَّرَ دفعةً واحدةً

كي يُعِدَّ للغد البائس لونَهُ الأرجوانيَّ المتوهجَ

حين وعَدَ الضحايا بغدَقِ الحياةِ واحترقَ 


لن أحدثَكَ عني

سأحدثُكَ عن هذه القصيدةِ 

عندما تبرّجَتْ 

ولبستْ ثوبَها الأحمرَ الدانتيلَ

المزين بخَرَزِ غيابكَ المُروس

ولفَّتْ ساقاً على ساقٍ

ووقفتْ أمامي تدخنُ المساءَ لفافةً لفافةً

وتشربُني قهوةً باردةً 

على شرفةِ مساءٍ شاحبٍ 

كهذا المساءِ ...


________________

ميرفت أبو حمزة 

من ديوان "ليني"




خلف القصيدة ...ميرفت أبو حمزة / لبنان Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 16 فبراير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.