وَردَة داخِلَ قَبر ..و نصوص أخرى للشاعرة اللبنانية مريم جنجلو

 مُجدَّداً: /غَريبٌ بِعَينَيْنِ تَبسِمان/


لا تَفتَح نافذةَ غُرفَتِكَ اللَّيلةَ
حُزني إلهٌ أزرقٌ، يربِضُ في الخارِج،
يُقيمُ حفلةً لِتَوديعِ ألوهِيَّتِهِ،
سَوفَ يَشرَبُ وَحيدًا
نَخبَ عَينَيْنِ تَبسِمان.

يَختنقُ بمِلحِهما فَتُمطِر
أتَوَرَّمُ وَأطفو كَزَورقٍ مِن وَرَق.

يَحمَرُّ جَفنا الإله فأفرُكُهُما،
لَحمٌ فاسدٌ يتساقطُ،
لا أجِدُ غَيرَهُ لِأُطعِمَ قلبي.

يَفتَحُ الإلهُ الأزرقُ قنّينةَ نبيذٍ ثالثةٍ بِفَمِهِ
فَتَقَعُ أسنانيَ في يَدي وَنضحَكُ عاليًا
نَرفعُ الكأسَ وَنُضمِرُ سَويّةً أمنيةً:

آهٍ لَو كانَ الإلهُ الأزرقٌ جَدوَلًا صغيرًا،
يَروي أديمَ زهرةٍ بريّةٍ.

آهٍ لَوْ كُنتُ الزّهرةَ البريّةَ،
لِأنبُتَ أينَما أُريدُ
على كَتفِكَ، ياقَةِ قميصِكَ.. داخِلَ خِزانةِ أحذِيَتِكَ العَفِنةِ!

فقط.. لِأوصِيَك ألّا تَترُكَ غُرفَتَكَ الّليلةَ،
فَالكَونُ كلُّهُ في الخارِجِ
يُطاردٌ غَريبًا بِعَينَيْنِ تَبسِمان.
---------------------------------

مُجَدَّداً: /كُلُّ شَيءٍ مُكَرَّر/

اليَومُ الذي يَمضي،
أضَعُهُ في البَرّادِ طَعاماً لِلغَد،
أتَعَقّبُ خطّاً في مَجرى وَجهٍ جَفَّ،
فَأفهَمُ عَجزَ المِرآةِ عَن مُداراتِه.

أَشدُّ بِالقوّةِ ظِلاً مِنَ الشارعِ أُلبِسُهُ ثياباً،
أنفضُ رمادَهُ وَأُجلِسُهُ قبالتي
نَختَرعُ حُبّاً على فَمِ رَكوَة النُّحاس.

تِفلُ القَهوةِ أمرَغُ بهِ وَجهَ هذا الكَون
كَمَن تَلهو بِتُراب.

وَالتُّرابُ وَالقَهوَةُ تِرياقُ الذاكرة،
تَشُمُّه لِتَنجوَ، مِن نُتوءٍ في قَلبِ طفلةٍ،
يُرسِلُها رَجُلٌ لِتَلعَبَ مع إخوانِها
وَيَقطِفُ على عَجَلٍ وَردةً حَمراء،
فَتبتسِمُ لَهُ امرأة!

تَحسَبُ بُكاءَ الوَردَةِ ندًى،
تَحسَبُهُ يحبُّها
-----------------

مجدّداً: /Genetics/

لا تلمِس الباب! أفتَحُهُ لَك بِيَدي،
كلُّ ما عَلَيكَ الخروجُ دونَ عَودة.
أصابعُكَ التي مثلُ الأطفال، لا أظافرَ لها،
أبقِها لَك،
سَتَحتاجُها في التربيتِ على وَجنَتِكَ الكالِحة،
رُقعةِ شَطَرَنجِكَ المَدروسةِ وَالآمنة
التي تتكدّسُ فَوقَها بَيادقُ لحظاتِكَ مَعي.

أصابعُكَ الملفوفةُ مثل سيجارٍ محلّيّ الصُّنع،
أبقِها لَك،
لِتُمسِكَ بها كلَّ مساءٍ صورة والدِكَ البائد،
تجلِسانِ في سريرِهِ الرّطب،
تفردُ أمامَهُ صرّةً فيها اسمُكَ الثلاثيّ،
الذي غرزتَهُ وتدًا ناريًّا بينَ أكتافِنا..
تُشيرُ لهُ نحوَ برجٍ من الإنجازاتِ المضيئة،
وَهوَ يُرخي حَوضَهُ المهترئَ علَيك،
يرفع رأسه اللّيمونيّ نحوَ ظلٍّكَ الأرمَد،
ويهتفُ بصوتٍ مَبحوح: هذا ابني الذي أريدُه.

آه.. لَحظة مِن فَضلِكَ أَيُّها الحَمّال:
كيسُ الرُّفاتِ الموحشُ هذا،
خذهُ معكَ أيضًا،
يبِّسهُ واصنع منهُ حشوةً مَتينةً،
سَوف تبكي كثيرًا من الوَهَن،
حين تلمسُ خدودَنا وَأنتَ تودّعُنا
قبلَ فنائكَ بدقائق، سَوفَ تُدرِك،
كم أنّ أصابعَك جوفاء، هزيلةٌ وَمقدّدة،
لِأنّها بِلا بيت.
---------------

مُجَدَّداً: /فِراق/

امرأةٌ لا مُبالِيَة تَجلِسُ القُرفُصاء
تَلِدُ حُزنَها المُضمّخََ بِالمِلح
مِثلَ فيلَةٍ عِملاقةٍ لا مَخبَأَ تَستَتِرُ فيه.

المَرأةُ التي مُنذُ الأَزَل
تَقشِرُ الجُروحَ اللامِعَةَ كَفُلوس سَمَكة
وَتَحقِنُ بلِحاء الألَمِ
وُجوهَ أطفالٍ عُميٍ بكمٍ
يُشبِهونَنا.
لا تَذكرُ شيئًا عن الرَّجُل
سِوى أنَّهُ حينَ ثَملَ آخِرَ مَرّة
أفرَغَ جَوفَهُ أمامَ ناظِرَيها.

رَمى الحُبّ في مُستَوعَبِ قمامةٍ صَدئ
صَرَّرَ الدِّفءَ بِخرقةٍ بالية
وَمِن ألبومِ الصُّوَرِ
قَصَّ بِظفرِ خنصُرِهِ المُسَنّنِ
الابتساماتِ في الأفواهِ وَالعُيون
فَرَشَها في غُرفةِ المَعيشةِ
سجادةً لِمُستأجرٍ جَديد
وَابتعَد.
-----------

مُجدَّداً: /Valse Melancolique/

هِيَ تَعزِفُ مُنفَرِدَةً،
وَأنا أكسَلُ وَأقسى مِن لَيلٍ في آخِرِهِ.

أسأَلُها ماكِرًا أن نَلتَقيَ عِندَ 'زاوِيةِ' طاولةٍ مُستَديرة
فَتَبكي وَتَهدِرُ مثلَ حُمًًّّى في سَمْعي.

ذَقنُها الصّغيرُ، نَردٌ خائفٌ يَنتَظِرْ،
أصفَعُهُ غَيرَ مُبالٍ.

تَحتَ قَميصي تَدور،
خَفيفةً كَفُقاعَةِ بَرد،
صامِتةً مِثلَ بَلَلٍ،
حَسيرَةً كما بُخار.

عَيناها غَيمَتانِ تَبكِيانِ تَعَبًا،
حَيثُ لا جَدوَلَ في الأسفَلِ، وَلا جَدوى.

أصابِعُها حِبالٌ تَمُدُّها في نَومي،
ضُلُوعُ بابٍ تَرِجُّ في مَقصورةِ قِطار،
سِربُ طُيورٍ مُهاجِرَةٍ يَصفُرُ في مِدخَنَةِ رَأسي.

بابٌ يَقِفُ في الحُلُم، وَأنا أحمِلُ مصباحيَ.
يَنفتحُ على لا أحَد،
وَيُغلَقُ على خصلةِ شَعرٍ طَريّ.

هُناكَ، تَجِدينَ 'الزاوية'.. وَهُناكْ،
سَوفَ نتبادلُ الجُثَثَ، صناديقَ بِداياتٍ،
وَعِناقًا لا يَنتهي...
---------------------

/نَسَب/

نَحنُ أطفالُ التجربة،
قُلوبُنا المُصفَرّةُ مثلَ زَهرِ القُطن، فناجينُها الأثرية،
تُحَدِّقُ فيها،
وَتُعيدُها إلى خِزانَةِ الماضي العالِيَة.

نَحنُ أطفالُ التجربة،
رَجَلَتنا من بَينِ فَخذَيها،
وَقامَت إلى قَبْوِها المُقفِر.

مِن صُندوقِ المَجهولِ، والِدِنا السِّرّيّ،
تَناوَلَت مِشطَها المَكسور،
شَقّت بِسِنِّهِ الوَحيدةِ الباقِيَةِ، غِلالةَ صُدورِنا،
حَيثُ الخَوفُ مُسَجًّى،
مِثلَ ذَبيحَةٍ هامِدَة.

قَشَطَت عَن فَمهِ زبَدَ الرَّغبَةِ المُتَخَثِّرَ،
وَمِن لِحائِها الأبيَضِ، أرضَعَتنا.

أيتها التجربة،
يا أُمَّنا التي تَحبَلُ،
وَالقابلةَ التي تَلِد،
فَلتَزرعي داخِلَنا خمائلَ الأمَلِ بِيَدِكِ العاجيّةِ،
وَباليَدِ ذاتِها،
قَلِّبي جَمرَ الآلامِ بِبُطءٍ،
عَلَّهُ يَبرُدُ وَيَنطفئُ لِلأبَد،
في وِجاقِ الذاكرة.
----------------------


/فاجِئ نَفسَك/

بِباقَةِ وَردٍ كَبيرةٍ تُخَبِّئُها وَراءَ ظَهرِك
فاجئ نَفسَك!

احضُنها بِقُوّةٍ مِنَ الخَلف
لا تُعطِها الفُرصةَ لِتُعاتِبَكَ على التّأخير.

اذهَبْ وَحدَكَ مَع أغنيةٍ وَلا تَعُد إلّا اثنَين
خَلفَهُما قَطيعٌ مِنَ الضّحكات.
 
فَلتَتعَلَّمْ أيُّها اللّامَرئيُّ
كَيفَ تَكونُ نَسيماً يَكوي قَميصاً مِنَ الفَرَحِ
لِيَرتَدِيَهُ (وَأنتَ تَمُرُّ مع الوَقت).. غَيرُك.

اسمَحْ لِلبابِ وَلَو لِمَرّةٍ واحدة أن يَستَنِدَ عَلَيك
فقد أتعبَهُ أَخْذُ مَقاسِ كَتِفَيكَ كلّما عانقتَ أَحَدَهُم.

اقلِبْ السؤالَ الآن على سَطح المرآة وَاقرأْهُ بِالعَكس:
ماذا لَو بِباقَةِ وَردٍ كبيرةٍ وَمِنَ الأمام
تماماً كما تُحِب..
عانَقَكَ أحَدُهُم؟


مُجَدَّداً: /تَجرُبَة/

بِهُدوءٍ.. أُصافِحُ النِّهاياتِ،
مِثلَ حانوتيٍّ يُربِّتُ على كَتِفِ جُثّة.
 
أيّها القَلبُ النَّقيّ، يا بِئرِيَ الآسِنَ،
لا تَحزنْ إن ارتَوى مِنكَ الغُرَباء وَقَبلَ رَحيلِهِم،
رَمَوْا وُجوهَهُم فيكَ حَصًى.

سَيعطَشونَ بَعيداً عَن مائِك،
وَحدَكَ سَوفَ تَلمعُ في حُلوقِهِم وَقتَها،
مِثلَ هاوِيَةٍ بَيضاءَ.. تَعبُرُ عَينَ طائِر.
           -----------------

مُجَدَّداً: / قصّة ما قَبلَ النّوم/

داخِلَ البحرِ أقفُ وَحدي
مِثلَ منارةٍ بعَينٍ مُطفَأة
تَسهرُ فوقَ رأسِ رَجُلٍ مَريض.

الشّتاء رَجُلٌ مَريض
دائمُ البُكاء، كثيرُ البَلَل.

عُكازُهُ الثخينُ الأعوَجُ ضِلعُ شَجَرَة،
بيجامَتُهُ الرَّثّةُ الرَّطِبَة، قُماشُها وَرَقُ الخَريف.

لا أحفادَ لِلرَّجُلِ لِيَجمَعَهُم حَولَهُ
وَيُراقِبوا بِدَهشَةٍ فَمَهُ المُعتِمَ كَمَغارةٍ
حينَ يَنفَتِحُ ليُخبِرَهُم..
أنّ الوِسادةَ كانت رِسالةً،
وَالشّجرةَ كانت امرأةً تَنتَظِرُ
ذابلةً مِثلَ مِشنَقة،
وَأنّ أوراقَ الخَريفِ طُيورٌ بِلا مَناقير،
لكنْ..
أرادَتْ أن تُغَنّي.
-------------------
                   

/وَردَة داخِلَ قَبر/


يَدري أنّه مُسنٌّ على الفرح

لديهِ قصورٌ في النظر

وَقلبُه مصابٌ بِداءِ الفيل.


أهمُّ إنجازاتهِ الارتماءُ في السّرير

وَالعضُّ على الوسادةِ.

يؤدّي مشهدَ البكاءِ بمهارةٍ

مثلَ جميلةٍ مهجورةٍ

في فيلمٍ بالأبيضِ والأَسْودِ.


ينهضُ وَيقطعُ الرواقَ بِخطوتَيْن

يُشعلُ سيجارةً وَيًسابقُ دخانَها نحوَ الأريكةِ

يَسقُطُ عليها مثل خبرٍ سيّئ

وَيَصدحُ بِشخيرهِ عاليًا.


مهنتهُ شاقة لذا يَنام كثيرًا

هوَ صباحًا بستانيٌّ فقيرُ

لا يملكُ شراءَ مقصٍّ لأظافرِهِ.

يقتلعُ رِقابَ الورودَ من الحدائقِ العامّة

يراهُ شرطيُّ وَيبتسم.


يَبيعُها ليلًا عند أقربِ حانة

حيث العشاق يرفعون الكؤوسَ

وَالشرطيُّ يسكرُ ويضربُ امرأتَه خلسةً.


عند الفجر يَعملُ حانوتيًا حقيرًا

يَسرقُ ورودَ البستانيّ المسكين

تلمع سنٌّ ذهبيةٌ في فمهِ حين يضحَك.


يُوزّع النعوشَ بالمجان عند كلٍّ جنازة

ويقايضُ الدّموعَ بأطواقَ الورود المسروقة

لا يُؤلمهُ أن يجوعَ البستانيّ داخلُهُ

همُّه أن يَجمعَ ثروةً بعرَقِهِ.


غدًا حين يفوز الموتُ في الانتخابات بالتّزكية

سَيوظّفُُ الحانوتيُّ البستانيَّ بمرتَّبٍ كبيرٍ

وَيَشتري له مقصًًّّا للنباتات

وآخرَ للأظافرِ

لِيعتنيَ بالموتى في غيابِه.

***

https://lnkd.in/dzftJkV

/ قصّة ما قَبلَ النّوم/


داخِلَ البحرِ أقفُ وَحدي

مِثلَ منارةٍ بعَينٍ مُطفَأة

تَسهرُ فوقَ رأسِ رَجُلٍ مَريض.


الشّتاء رَجُلٌ مَريض

دائمُ البُكاء، كثيرُ البَلَل.


عُكازُهُ الثخينُ الأعوَجُ ضِلعُ شَجَرَة، 

بيجامَتُهُ الرَّثّةُ الرَّطِبَة، قُماشُها وَرَقُ الخَريف.


لا أحفادَ لِلرَّجُلِ لِيَجمَعَهُم حَولَهُ

وَيُراقِبوا بِدَهشَةٍ فَمَهُ المُعتِمَ كَمَغارةٍ 

حينَ يَنفَتِحُ ليُخبِرَهُم..

أنّ الوِسادةَ كانت رِسالةً،

وَالشّجرةَ كانت امرأةً تَنتَظِرُ

ذابلةً مِثلَ مِشنَقة،

وَأنّ أوراقَ الخَريفِ طُيورٌ بِلا مَناقير،

لكنْ..

أرادَتْ أن تُغَنّي.

***

https://lnkd.in/dj_8bMD

/أيُّها المَساءُ الكَئيب/


أنتظرُ غياب الشمس لأخرجَ إلى الشارع

أمشي وَأسحَقُ بِحذائي الزهريّ

صراصيرَ وأوراقَ شجرٍ لا يحزنُ عليها أحد.


أيُّها المَساءُ الكَئيب

إبحث لي بَينَ الشُّرُفات

عَن أغنيةٍ تافهةٍ أُرَدِّدُها وَأنا أجمَعُ اللّافندر

لِأُزَيّنَ بهِ كُرسِيّي الهزّازَ الأبيض

وَأترُكََه يَرتجِفُ بَردًا

أمامَ نافذَتي القرميديّةِ المُشرَعَة

رَيثَما تَكونُ قد أتَيتَ ثانيةً.


أيُّها المَساءُ الكَئيب

إجمعْ لي مِن مداخِلِ البِناياتِ القَديمةِ

قُبَلَ الحُبِّ المَسروقةِ خلفَ خزّاناتِ المِياهِ الصَّدِئة

أعلّقها نجومًا على سَقفِ غُرفَتي

وَأحلُمُ أن أكونَ أيّ شيءٍ

لِيَنظُرَ أحدُهُمْ إليّ

ساعةَ حائط، مرآةَ مِصعَد، لوحةً تجاريةً في مَطعمٍ فَخمْ

قطّةً رجلُها مَكسورة تعبرُ أمامَهُ الشارع.

أريدُه أن يحدثَ لي مثل صدفة، حرقٍ منزلي،

أو حتى فألٍ سيّئ.


أيُّها المَساءُ الكَئيب

لا تُغرِ المُنتَحِرينَ بِالنّوم

لا تَدَعهُم يُلقونَ بِأنفُسِهم مِن فَوق

قَبلَ أن يُرسلوا لي في طَردٍ بريديٍّ

أظافِرَهُم وَشُعورَهُم

بِكُلِّ ألوانِها الطبيعيةِ وَالاصطناعيّة

سَوفَ أصنعُ مِنها سِتارةً لِلنافذةِ القرميديّة

وَأنامَ حتى تَكُفَّ عن المَجيء

أيُّها المُساءُ الكَئيب.

***

https://lnkd.in/dXrtNRd

/المرأة الأخيرة/


إنها السابعة صباحاً, سيجارة واحدة بقيت في العلبة, زمّت شفتيها الممتلئتين على الفلتر الإسفنجي, بسرعة تناولت الهاتف البارد, إلتقطت سيلفي مثيرة, وطار الدخان في أرجاء الغرفة. لعابٌ قليلٌ التصق بسقف حلقها الجاف, لا بأس, أن تشعل حريقاً داخل جوفها وتطفئه عشرين مرة في غضون ساعات أمر عاديّ. طعم المرارة هو ما لم يكن متوقعاً. 

سرحت بنظرها في التقاطع المروريّ الذي التقيا عنده أوّل مرة: لو أنّ عطلاً ما إلهياً أوقف رتابة شارة السير عند اللون الأحمر, وجمدت سيارتها بمحاذاة سيارته, هل كان سيلاحظ كيف تنظر إليه امرأة حقيقية؟ أم أنه سينشغل فقط بمناداة الباعة دون التفكير بحجم الثروة التي أنفقها في شراء الأخبار البائتة وأوراق يانصيب لم يحدث أن ربحها أحد ممّن يعرفهم. 

مرّرت يدها على نبتة الحبق وشمّتها, وباليد الثانية قلبت الساعة الرملية على الطاولة, بدأت يومها بالسؤال ذاته, لمَ لا يختار الناس هداياهم بعناية؟ ماذا قد تفيد ساعة رملية امرأة جميلة ووحيدة سوى جعلها تنتظر اللاشيء بتوقيت أدقّ؟ امرأة تبتسم للناس, لا كأنّها لا تعرفهم, وإنّما كأنّهم لم يقابلوها ليَرَوْها, ولا كأنّ شيئاً لم يحصل معهم البتّة, وإنّما كل شيء لم يحدث لسواها. ابتسامتها أشبه بمجهود عضليّ هائل, يبذله مريض بالفالج يبكي من الفرح, لكنّ ملامحه كلّها مشدودة نحو الأسفل. الوجهة الوحيدة للحزن.




وَردَة داخِلَ قَبر ..و نصوص أخرى للشاعرة اللبنانية مريم جنجلو Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 04 أبريل Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.