قراءة في نص الشاعرة الجزائرية رزيقة بوسواليم الأصوات تصاب أيضا بالنَّحافة بقلم احمد
الأصوات تصاب أيضا بالنَّحافة
_________
الأصوات
الهزيلة
لا تبلغ بصوتها
النحيف
قلب مولانا العاشق.
*
الأصوات الوحيدة
مزكومة
في برد المنافي
وفي أرض التيه.
*
ضاع
منّي صوتك
وأنا أتعثر
فابتلعتني حفر الفراغ.
*
هات صوتك
حبَّةَ مُسَّكن لصداع
الرُّوح.
*
للزلازل والكوارث أصواتٌ
مستعارة
من حناجر الجحيم.
*
صوتُ
الرِّيح
خارق
لأفئدة المنازل الخاوية.
*
صوتٌ
عن صوتٍ
يختلفان في تحديد
هوية العابرين عبر جوازات الزَّمن.
*
صوتك مَدرجٌ
وقلبي
طائرة بدون أجنحة التَّحليق.
*
ابعث لي
صوتك
في رسالة إلكترونية مستعجلة
لأنهي عمر الأرق.
*
أتوسَّد صوتك
لا حاجة
بي للفراش
ما دمتُ أنام فيه.
*
كثيرة
هي الأصوات التي تقطعنا
صوتٌ
واحد ينزل للإقامة فينا.
*
ما بال
الأصوات
تتلوَّنُ
وتصبغ لوحاتنا في معارض الذكرى معلقة على
جدران الضوء الأزرق؟
*
للعزاء؛
خذ صوت حبيب وأنت
تسافر.
للفرح؛
خذ صوت حبيب وأنت
تشق بطون الغيمات.
للبكاء؛
خذ
صوت حبيبٍ لتُغرق فيه غرف
القلب الباردة.
*
للصَّلاة خذ
صوت اللَّه أينما توحدَّت الإله.
*
لكلِّ
صوت
بصمته،
مقاسه،
طوله،
ووزنه في مجالس الرثاء.
*
صوتك
يَصبُّ
في أذني
فتزهر خطوط الهاتف.
*
صوتك
يخرج لي عبر شاشة مضيئة
فتشتعل مصابيحي المنطفئة
وتغمرنا النُّقطة الخضراء.
*
صوتك
يعانق صوتي
فتنبض خلايا الجسد بالغناء والرقص.
*
صوتك
يلامس جسدي
فتتبلَّل بشرتي.
*
في اللَّيل
أشغل مذياع الذاكرة
لأستمع أصوات الرَّاحلين.
*
في النَّهار
تستهلكني الأصوات الكثيرة
تمضغني عُشبا فارغا عن
حقيقة الذبول.
*
أيُّ صوت
يمتزج بك
يأخذ من روحك
وتأخذ منه أرواحا لتتمدَّد.
*
كيف
نعرف عمر الصَّوت؟
- بدرجة الحبِّ الذي
نرتديه عبر الفصول.
*
ألبسُ
صوتك
وأسير عارية
لستُ أخشى عواصف الثَّلج.
*
يصيبني المُواء
والمطر
عندما أشتاق
صوتك
وأجدك خارجا منِّي
خارج مجالات الحب و التّدفئة.
قراءة الدكتور أحمد الحسن
هل الرياضيات الإحصائية تفيد في قراءة نص أدبي؟ ولاسيما ثمة مدرسة لسانية أمريكية تعتمد الإحصاء الرياضي كإجراء نقدي إذ تقوم بجرد مفردات النص وتحدد معناه بموجب الحضور الكمي المفرداتي الدالة على معنى النص موضوع الدراسة.
سؤال يفرض نفسه على أي قارئ لهذا النص الذي تقدمه لنا الشاعرة رزيقة لهذا المساء .
لكن ما أراه هو أن الإجراء الاحصائي اللساني لا يفيد في تحديد معنى النص ، فالكم المفرداتي الذي تهيمن عليه مفردة ( صوت/ أصوات) لايفيد القارئ في شيء بخصوص تحديد معنى النص ودلالته ، فمفردة الصوت ومشتقاتها وصيغ حضورها الكمي هو مجرد كم لا دلالة له لأن السياقات التي ترد فيها هذه الكلمة تختلف من مقطع إلى مقطع آخر، وأحيانا من تركيب إلى تركيب آخر ، لذلك تتعدد معاني النص بتعدد تلك السياقات ولهذا علينا أن نسقط هذا الكم لمفردة ( صوت ...) في عملية تلقينا له ونتنكب منطلقا آخر في قراءتنا ، فالنص يعبر عن حالة من الهوس الخلاق لدى الشاعرة في موضوع نصها هذا الموضوع الذي هو الصوت أو الأصوات بأنواعها ، فالشاعرة تبدو من خلال نصها وقد تلبستها حالة من الاستغراق في موضوعها لدرجة الحلول فيه، لينقلب هذا الحلول من الشاعرة في موضوعها إلى حالة حلول الموضوع فيها. لكن هذه الحلولية ليست على طريقة المتصوفة وإن كانت في المقطعين الأول والثاني من النص قد أومأت إلى هذا ، لكنها في المقطع الأول كانت تشير بطرف خفي إلى افتقادها لصوت ما تعرفه هي وحدها في لحظة انبثاق النص في مخيلتها وهذا الافتقاد جعله وبترددات إحساسها هزيلا ونحيفا ، ثم بدأت الأصوات تتوالد على أطراف هذا الإحساس بالفقد وكل صوت منها له طبيعته وخصوصيته ، لكن الشاعرة لم تنس أن كل ماذكرته من أصوات وكل ما تعرفه من دلالاتها وطبيعتها ليست هي موضوعها الأساس بل الصوت الذي تفتقده هو ما أرادته من نصها وهذا ما يؤكده المقطعان الأخيران من النص اللذان قدمت فيهما مدى الحاجة الماسة إلى ذاك الصوت. فغيابه يجعل الصوت يصاب بالنحافة ويكاد يضمحل.
ليست هناك تعليقات: