إلى محمد زادة ...محمد المطرود/ سوريا

 إلى محمد زادة 

………،


محمد المطرود

 

"يشبهُ محمد مطرَ أوروبا هادئ وحادٌّ في الوقتِ ذاتهِ، ولولا أنّ غيمَه يَصدقُ دائماً، لكنتُ مللتُ انتظارهُ في المراتِ الكثيرة الذي يعدُ بالمجيء ولايجيءُ، غالباً يأتي معَ حَجلِهِ وأيّائلِهِ ووعولهِ، ولأنّهُ يعرفني أحبُّ الذئبَ، يخبئُ ذئباً صغيراً في حَيزٍ من دواخلِهِ، يُفاجئني بهِ، ويقول: لاتخَف يامحمد، فقد ربيتهُ لوحده، بعيداً عن الحيواناتِ الضعيفة، ويكملُ: أعرفُ أنّكَ تحبّه نبيلاً  سيداً ولهُ عواؤهُ الذي لايختلطُ بالنباح أو النحيبِ المتروكِ كألبسةٍ قديمةٍ من تركةِ الزوجاتِ الأراملِ..


أحدّثُ محمد عن يارا، أقول يامحمد ياااا محمد : انظرْ في عينيها السوداوين، دقّقْ في الينبوعين الأسودين، راقب حنانهما والحجاجَ العطشى في وسطهما، وأكملُ: يا محمد أيّ جرحٍ تفتحهُ البنات اللواتي يُشبهنَ الأمهات، ياويلاه، يا للملحِ الذي يفزّزُ الجروحَ ويبقي عينَ الذكرياتِ مفتوحةً رقراقةً وذاهبةً إلى مَصّبّ الألمِ، ولأنّ محمدي العزيزِ كأميرٍ وربّان سفينة لهُ يارا فارعةٌ ودَمُها مخلوطٌ من تينٍ وعسلٍ جبليّ ونبيذٍ، وتَتَحضّرُ الآنَ لتكونَ طبيبةً، جرّاحةَ أرواحٍ، لهذا هوَ يعلمُ ماذا يعني هذا العشقُ وإلى أين يودي بصاحبهِ..


مؤخراً صارحَني محمد عن امرأة ساررتهُ عني، ونقلتْ سرّها إليه: لمْ ألتقِ بالذي" اسمهُ أحمد وظلّهُ النار"، لكنيَ كُلّما مَسَستُ بطني، وجدتني حَملتُ منهُ، وصرتُ أداري، فلا أحملُ ثقلاً ولا أكتبُ شعراً حزيناً خشيةَ أنْ أجرحَ مشاعرَ" القيصر" هكذا سَميتهُ بيني وبينَ نفسي، تقولُ المرأة، فيأخذُها محمدّ من حلمِها إلى الواقعِ فالطمأنينةِ، فالإنسان الكثيرِ في شَخصِه..


محمد الذي يكتبُ" زبد النهايات" ويجدُ داليا نهراً سحرياً على الخريطةِ، ولايريدُ أنْ يلمَحهُ أحدٌ على الأرض لئلّا تَتَسيّرَ فيهِ السفنُ ويقطعَهُ اللاجئون والصيادونَ وسبّاحو الأحلام، يعرفُ جيداً الحبَّ ويخبرُ مسالكَهُ، لكنّهُ يتألمُ كثيراً هذهِ الأيام بسببِ الحربِ هناك، وبسببِ الحربِ التي أشعلَها فَقدُ" داليا".. 


تفصلُ محمد عن أمّه الجغرافيا والأمراض، لهذا صارَ قلبُهُ عصفوراً دورياً قطعَ آلافَ الأميال، ليبنيَ عشّه في سقفِ بيتٍ طينيّ في عفرين، ومحمد لايريدُ أنْ يغوصَ في الوحلِ مثلَ الشياه، سعيدٌ بجناحيهِ إلى أنْ أسرَّتْ المرأة التي حبلَتْ من محمد مجازاً..


هاتَفني محمد اليومْ وكفرَ بربِّ الحربِ، وبكى إلى أنْ شعرتُ رأسهُ ترتَخي على كتفي، قالَ: المرأةُ أخذتْ صورةً شعاعيةً لرحمها، وأخبرها الطبيب أنّ شظيةً تَستقرُ في قلبِِ" قيصر" وطمأنّها أنَّ الطفلَ سيتعايشُ معها!.


خارجَ السياق

(يابا محمد) نسيتُ أخبركَ أنّ صديقاً عرافياً أمضى ثلاثين عاماً هنا، ولهُ ثلاث محاولاتٍ فاشلةٍ في الانتحار، دلّني على دربٍ تزهو بالخضرةِ والحيوانات على جنباتها، وتنفتحُ على هاويةٍ تنبعثُ منها أصواتُ الجنيّات، تلكَ التي كنت أسمعها في الجنوب. صديقي يَثقُ بقدراتي وميولي الغريبةَ في الحياة، لذلك لايشكُّ بفشلي حيثُ فشلَ هو."



إلى محمد زادة ...محمد المطرود/ سوريا Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 28 أغسطس Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.