متاهة .. هيثم الأمين / تونس


متاهة
ـــــــ
اشتقتُ إليكِ
ليس، فقط، لأنّكِ مطر غزير
وأنا غابة تحترقْ...
ليس لأنّه لا بدّ للصّباحات من شمس بازغة
وأنا قد كنتُ بكِ الصّباح المنيرْ
لكنّي
اشتقت إليك لأنّك، أيضا، البوصلة التي
 ما زالتْ تُعيدُني إليّ 
كلّما تهتُ بعيدا عنّي
ولأنّ حضورك يجعل لي ظلالا؛
ظلالا تضحك و تركض،
كأطفال سعداء،
وهي تسبقُني إليك
فتعانقك، 
بكلّ جرأة الأطفال،
-على مرأى من عينيك-
في الشّوارع المزدحمة
وتسألك عن أحوالكِ
وعنّي!
اشتقتُ إليكِ
وما زالت خطواتي تحتسي هذه المدينة مُرَّةً
فمدينة لا تجمعنا فيها المقاهي،
لا تخيفنا فيها نفس الكلاب السّائبة،
لا نتعثّر فيها في نفس الأرصفة فنشتم نفس رئيس البلديّة
ولا تلتقط لنا فيها نفس العيون الفضوليّة
محاولاتنا لشبك أصابعنا ببعض
هي مدينة لا تحتسيها إلّا خطوات العابرين
وأولئك الذين لا يخافون البرد
ولا تخيفهم قصص الأسرّة الفارغة، حين تنام المدينة.
اشتقتُ إليك
وكلّما وقفتُ أمام مرآة ما
بكى الأطفال الذين يقطنون فيها
وطالبوني بأن أوزّع عليهم صوركِ
وأنا لا أملك لكِ
إلّا صورة وحيدة
أخشى أن يتشاجر لأجلها الأطفال
فيمزّقوها...
اشتقت إليك
حتّى كبٌرتْ كثيرا جدّا
شجرة الحزن العملاقة التي غرسها أبي،
قبل أربعة عقود،
في صدري
وكان الحطّابون يحتطبونها كلّما ضَحِكْتِ
فأٍرتاح...
وحتّى صار الحمام الزّاجل
الذي فقس من دموعي التي تجمعها أمّي
أسرابا
وصار اللّيل متاهة لا أحد يُنقذني منها
إلّا نباح كلاب سائبة
تُفسدُ قُبلتنا!


متاهة .. هيثم الأمين / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 24 يناير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.