سأصير جدارا......هيثم الأمين تونس

رجاءً،
من فضلكم،
لا تُعيروني انتباهكم
فلا جديد عندي لأقوله لكم
فنصف أخباري قديمة قِدَمَ عشِّ الطائر المهاجر الذي بنى عشّه من منديل جدّي الذي سرقه منه و هو يستريح، من شقاء الحفر في مقلع الجبس، في حضن ظلّ الزيتونة التي غرسها جدّه
جدّي الذي رحل منذ أكثر من أربعين عاما
رحل دون أن يراني و دون أن يدرّسني حرفا واحدا عن الجبس
و دون أن يعلّمني كيف أنحت من حجارة الكلس "طوابق" للقبور.
أما نصف أخباري الثاني فمزوّر
مزوّر كما الأخبار في إعلام بلد عربيّ يلهج بذكر الحاكم الرّشيد
يقول مقدّم نشرة الأخبار:
بفضل رعاية حاكمنا المجيد هطل المطر
حاكمنا المغدق العطاء
أنزل المطر على الحقول و منعها عن الشوارع و عن أحياء الفقراء خوفا منه على رعيّته من البلل!
تردف زميلته:
هذا و قد قام حاكمنا الرّشيد بغرس شجرة استوائيّة في حديقة قصره من أجل تحقيق الأمان الغذائي للمواطنين
فالشجرة، التي صارت مباركة بين يديه، ستوفّر للشعب كل ما يحتاجه من السكر و القمح و الدواء و الحليب!
يعود مقدّم الأخبار، و بكلّ فخر، يعلن:
هذا و قد أشرف حاكمنا الرّشيد، شخصيّا، صبيحة هذا اليوم على إرسال مهرّجين في بدلات رسميّة إلى كلّ مناطق الوطن من أجل إضحاك الرّعيّة!
لا لوم عليّ
فلقد أخبرتكم، منذ البداية، أن لا جديد عندي لأقولهم لكم
أو
ربّما
هناك شيء جديد لأقوله لكم
هو خبر ليس مؤكّدا
و مع هذا سأقوله لكم:
غدا أو بعد غدٍ سأصير جدارا يتبوّل عند قدميّ السكارى و المجانين و الأطفال
و سأكون حارسا على قمامة الحيّ حتى لا تنتهكها الكلاب الضّالة و القطط الشّريدة و الجياع
و سيكتب على صدري
مراهق خجول
اسم حبيبته مع رسمة قلب.
--
"طوابق" مربّعات 40/40 كانت سابقا تقطع من حجر الكلس و تغطى بها القبور