لا أكتب لمارّة على جدران التّسلية ..بقلم حامد محضاوي / تونس


 لا أكتب لمارّة على جدران التّسلية، لا نبيذ في حروفي ولا مؤخّرات نساء، اُنيخ ناقة لوني بعيدا.

لا أصابع أو إشارات قلوب صمّاء تمنح جواز مرور لانسكاب بوحي.

لعلّي أكتب لمن لا يطالع وجهه أصلا أو لراعية فقيرة جانب النّهر، لعلّي أكتب لعامل خلف الخيبة أو لبعض جموع ارتحلوا في تبعات حرب...

كثيرة درجات الإمكان، فقط لا تشي بالمتاح وتأثيث حضور.

سماتي زئبقيّة تدسّ الغياب في راهنيّة الحضور وتعتلي عرش المستحيل في لحظات الإمساك.

هي هكذا، علائقيّة التّلميح والتّصريح، فخاف ورمال متحرّكة، كأنّي أمشي دون رأسي شامة في الطريق، خلعْتُنِي كي لا يعرفني ظلّي مهزوم الشمس، أجدني دون مريدين، اُغنّي لنجمة غافية أو أكتب بيانا في اتّساع إحتدام ثورة أو أطير مع عصفور بعيدا عن قفصه، أو اُناجي وجه ألق بعيدا عن التّسليع.

حروفي أيضا لا ترى الإفتراضيّ حجّا أو تداولا طقوسيّا يقيم شريعته المريدون.

إنّها ملحدة مخترقة لكلّ البنى الفوقيّة، غير مؤمنة بجوازات المطالعة المشوّهة والمتسرّعة.

لا تبحث في هندسة نصيّ، لو كان لي نظام لما كتبت. أنا أترصّدني من بعيد حين أكتبني، الفرق كبير وشاسع بين أن أكتب وأن أكتبني. هي الهوّة بين أن اُضمّنني كنسق عزفيّ نزفيّ وبين أن أطرح شكلا أطالع به وجوه الأحداث ومتعلّقات الأشياء. أن أكتبني لا تعني بالضّرورة الخصوصيّ، هي الإنتماء لكلّ اللّحم والدم والحواس، أرصفة وشوارع وساحات، فسائل ومخالب ووقائع. إسفنجة تمتصّ المدى بنسق جامع لتعصر المآل انسيابا لا أشكالا وعناوين للكتابة. يموت كلّ شيء حين نضع له أسماء، ألا يكفي أنّ ولدنا دون إختيار؟!

أن تبني هندسة لنصيّ يعني أنّك آت من خارج لا يآوي اللّحم والذّاكرة واليومي، عد إلى فصولك وطالع ما تبقّى لك من سجون الرّقابة وتصاميم الأصنام. واخرج غريبا لمحطّ الأنواء.

أنا صنيعة واقعي وما الكتابة إلّا قصبات هواء، دون ذلك تسقط الأسماء. تعالى نبحث عن بعض ونؤسّس لرحلة، قبل ذلك ضع عنك أوزارك، سترى بأكثر من زاوية جرح العبارة ومرافيء الصور بعيدا عن الإطار. أكتبني فقط والتّيمات صيغ جامعة. تراني شاعرا، ساردا، كاتبا مسرحيّا أو لا تراني أصلا ذلك أمر يعنيك. فقط سترى أنّك عشت رحلة في ذاتك.

إسحبني من أوراقك واتركني صديقا إنسانيّا لا أكثر.


لا أكتب لمارّة على جدران التّسلية ..بقلم حامد محضاوي / تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 09 يناير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.