المتنبي....هيثم الأمين/ تونس
المتنبّي
ــــــــــ
كنّا أنبياء ثلاثة
أنا.. وظلّي
ورجل غريب يطاردُني.. في المرايا !
أنا
كنت كومبارسا في مسرحيّة " الأنبياء"؛
كنت أتقمّص دور "العصا"
مقابل جوع أقلّ و علبتَيْ سجائر...
كان الأنبياء يشيرون بي
نحو السّماء،
نحو الدّرب
ونحو الخطيئة
وكان لهم فيّ مآرب أخرى...
استقال كلّ الأنبياء من المسرحيّة
وغادروا المسرح
احتجاجا على قلّة أجورهم
ثمّ ذهبوا للعمل في ملهى ليلي !
على الرّكح، كانت هناك امرأة؛
كانت كومبارسا، أيضا، تتقمّص دور الخطيئة !
المرأة الخطيئة
هي من أقنعتني بأنّي، أيضا، نبيْ !
قالت:
كنبيْ
كنت تشتهيني و لا تطارد خطواتي...
كنبيْ
كنت تستغفر الله منّي
ثمّ تعود إلى عينيّ
وكنبيْ
مازلت تقع فيّ.. ثمّ تبكي كطفل...
حين صيّرتني المرأة الخطيئة نبيّا،
هنّأني باقي الكومبارس،
صفّقت لي مقاعد المسرح الفارغة
وابتسم، في الكواليس، مخرج المسرحيّة...
أنا نبيْ
وبُعثتُ لأصابعي؛
أتلو عليها قصائد لا تُعجب الشّعراء،
لا تُعجبُ أبي
و لا تجعل حلمة نهد حبيبتي تنتصب !!
ولكنّي نبيْ !
هكذا قالت المرأة الخطيئة
فكيف تكفر بي أصابعي
و تصدّق نبوءة تنّورة المرأة الخطيئة
حين انفلت الزّر
وانفتح السّحّاب؟ !!!!
ظلّي رجل سكّير
كلّما بصقته حانة
و مسحت، بكمّ قميصها، ما علق ببابها منه
تعلّم طريقة جديدة للبكاء
و كتب انكساراته على الأرصفة
فيَنبُتَ عليها النّباح و الخطوات الهاربة
وحتّى أكياس القمامة !
من أجل كلّ هذا
نصّبته أعمدة الإنارة العمياء نبيّا
و لكنّ مسؤولي البلديّة صلبوه على العتمة
ووزّعوا خبزه و نبيذه على حفر الطّريق...
وكأنّه يعرفني
ذاك الرّجل الذي يطاردني في المرايا !!
لا يشبهني و لكنّه يشبه ظلّي أكثر !
يشبهني قليلا حين لا يشبه ظلّي في شيء !
يستيقظ، متأفّفا، حين أغسل وجهي في الحمّام؛
هكذا كنتُ أراه و أنا أمرّر وجهي، على المرآة، لأراني، في كلّ مرّة، لآخر مرّة!
أراه لطيفا، أو هكذا يبدو، في قهوتي السّوداء المرّة !
ربّما، هو يقرأ طالعه/ طالعي
أو يتلصّص على وجه حبيبتي و هي تقاسمني فطور الصّباح
وأراه في زجاج نافذتي
و أنا أتابع
العابرين في الشّارع الطّويل،
آخر الجنائز
وأعراس الرّيح...
مرّة رأيته عاريا في عينَيْ حبيبتي
وكانت حبيبتي عارية في عينَيّ
وكان ظلّي يرقص حول حرائقنا، نحن الثّلاثة
فأدركتُ
أنّ الرّجل الغريب الذي يطاردني في المرايا
كان نبيّا وقع في امرأة خطيئة
فسُجِنَ في المرايا...

ليست هناك تعليقات: