المعاصرة في الأدب العربي وجدليّتها بين الكاتب والقارئ - حلقة نقاشية إدارة: نوار الشاطر
يقال إن للعربية ليناً ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقاً لمقتضيات العصر.
وأقول إن اللغة العربية هي
روح العصر لمن أحبها وفهم عمق حروفها وارتشف سمو المعاني فيها .
اللغة هي وسيلة التعبير والخطاب والتواصل الأساسية في حياة الإنسان اليومية لذلك هي أهم طريقة توضح مكنونات
وأراء وتوجهات وطموحات الفكر الإنساني وبما أن الأدب بكل ألوانه هو التجلي الأميز للغة والصورة الأكثر جمالاً لها لذا كان محط إهتمام الإنسان دائماً سواء ككاتب أو كقارئ ،كمبتكر أو متلقي .
والإنسان هو ابن الزمن الذي يعيشه فلا يمكن أن يعيش في الماضي متغذياً على تراثه فلكل عصر خصوصيته وقضاياه
ورؤاه وأساليبه أيضاً .
ومن هنا تبرز أهمية التجديد والمعاصرة بحيث يتكافئ المحتوى الأدبي مع العصر الذي يعايشه ملبياً بذلك حاجة الكاتب المبدع المتعطش للحداثة بمفهومها الصحيح
المتوازن مع أصالة وقيم الأدب والمجتمع العربي من جهة
ومع حاجة القارئ العادي لمضمون يهمه ويعالج مشاكله ويخاطب حواسه ومشاعره كلها بأسلوب جذاب مبتكر يحرره من مورثه الثقافي التقليدي ويطلق عقله نحو آفاق فكرية واسعة وجديدة .
وهذا أيضا يضعنا أيضاً أمام عدة تساؤلات :
•ماهو مفهوم المعاصرة في الأدب العربي وانعكاسها على المجتمع العربي ؟
•هل استطاعت المعاصرة أن تلبي طموح الكاتب وتخرجه من قوقعة التقليد والتكرار إلى آفاق التجديد والابتكار ؟
• هل استطاع القارئ العربي أن يتناغم مع المعاصرة في ظل كل ظروف الحياة التي يعيشها ؟
و حول ذلك استضفت نخبة من الأدباء والنقاد في هذه الحلقة النقاشية الثرية، وكانت لهم هذه الآراء :
الكلمة هي العمود الفقري في بناء العمل الأدبي الشعري
الشاعر والناقد حسين عوفي/ العراق
اللغة الأدبية إحدى المرتكزات الأساسية لأية دراسة فنية، ولكل أديب في عصر من العصور، لغته التي يعبر بها عن مشاعره وأحاسيسه إزاء مايراه من حوله، فهو ابن البيئة والمعبر عنها فنياً وبألوان أدبية كما يفعل الرسام الماهر، وفق أفكاره وصوره ليحتوي مايعتمل في داخله ومايحيط به بشكل ممتزج ومتلاحم عبر نسيج متكامل لتجربة أدبية كوسيلة من وسائل المبدعين،وفي ذات الوقت تخضع تلك التجربة لقوانين اللغة وقواعدها في التراكيب المختلفة إنشائية كانت أم خبرية، إسمية أم فعلية، وغيرها.
للعمل الأدبي الرصين والمتزن تأثير بليغ، حيثما كان جديراً بإبداع مضامين عِبر الإيحاءات التصويرية والنفسية والتي تُشعِر التلقي بأن مايقرأه هو مبتكر، فالعبارة ترشد وتصور وتوحي وتعزف لحناً تطرب له الأذن وتسر به العين ويرتاح له الذهن وتدركه النفس، من هنا كانت الكلمة العمود الفقري في بناء العمل الأدبي/الشعري، بجمالياتها وإيحائتها، والتي تختلف اختلافا جذريا عن اللغة القياسية، فتنجح في نقل المشاعر وبأعمق معانيها وأصدقها إلى نفس التلقي وبمهارة فائقة وفق قواعدها وقوالبها المطروحة، على أن لايكون العلق بالألفاظ والأساليب لذاتها وهي تنقل المشاعر والأفكار.
أن ذلك لايعني تحطيم اللغة الإعتيادية بل إعادة بنتيها على أعلى مستوى يتم من خلاله تشكل نمط جديد من الدلالة وكأنها تقول لنا ماتقوله اللغة وبشكل طبيعي.
هذا باختصار مفهوم المعاصرة.
أما أنعكاساتها، فأنني أرى ان لها حضوراً فاعلاً ومريدوها بأعداد مهولة ذوقاً وممارسة ومحاكاةً ،وبالتالي أضحت المتنفس الوحيد لما تعانيه المجتمعات في سائر أنحاء الوطن العربي.
من الدال والملول نجد أن الكاتب /الشاعر لديه معجمه اللغوي، هذا المعجم يشير أكثر الأحيان النفسية الحزينة القلقة، لذلك فهو يجذف ضد التي أو يستسلم للتيار مرغماً ، معمقاً تلك المشاعر الحزينة بهالة فوق الشرخ الروحي.
وهناك أيضا خطوط بارزة للشعر الحداثوي شكلت مادةً لغويةً من استعارات وتراكيب لإنتاج الصور الفنية.
كما أن الرومانسية حضوراً في رؤية الشاعر/الكاتب، وهو ينظر لما حوله بنظرة ذاتية لاتبتعد عن مشاكله الشخصية، قبل التوجه للواقع وبشكل عام وشمولي، فنجد الكثيرين قد عبروا عن عواطفهم وأحزانهم ولواعجهم وبطريقة رومانسية.
أكثر مايلفت انتباه التلقي، هي تلك المواضيع التي يراها جزءاً منه ومن حالته، أو تمس مشاعره بقوه، خاصةً لو قسمنا التلقي وفق معايير النخبة، والمتذوق، والقارئ العادي، ودرجة التفاعل تعتمد على ذائقية كل صنف من تلك التصنيفات ومدى ثرائهم المعرفي، فتكون درجة رد الفعل وفق تلك المعايير.
وقد نستطيع رصد حجم التناغم، من خلال الأعداد الكبيرة للكتاب والشعراء وعدد المواقع الأدبية الفعلية وعلى صفحات التواصل، وكذلك مايقام من محافل ومهرجانات وأماسي وجلسات ادبية، ودور النشر والصحف والمجلات والوسائل المرئية والمسموعة والعدد الهائل من الإصدارات.
وبرغم ذلك ليس كل ماينشر او يقال ينضوي تحت معاييرالأدب لاسيما في غياب الرقابة والحرص والنقد الأدبي الرصين.
كل ما يعيشه الشرق العربي المعاصر إنما هو يعبر عن مأزق
عقل
الأديبة والناقدة ميلو عبيد/سورية
سأكون صريحة فيما يتعلق بمفهوم المعاصرة في الفكر العربي عامة وفي الأدب العربي خاصة :
كل ما يعيشه الشرق العربي المعاصر على كافة الساحات / ثقافية .علمية.دينية.اجتماعية.سياسية..../ من تعصب وتعنت وانفرادية و أصولية وانفعالية و وعاطفية إنما هو يعبر عن مأزق عقل ،مأزق العقل الشرقي العربي وهو وليده ومسببه في نفس الوقت ،في تفاعل بين السبب والنتيجة ،فالفكر عندنا / العربي / حذر جدا حد القيد تجاه العقل حتى أنه يخافه لا بل يخاف جذريته وقدرته على الشك / المولد الحقيقي لليقين / وقوته وقدرته الناكشة الناقدة للقناعات المتوارثة جيل عن جيل وأمام هذا ظهر موقفان مضادان عاشهما ويعيشهما فكرنا العربي
1- عدم الاعتراف بهذا النقص الفادح حد الجفاف لا بل الوهم أن الفكر العربي هو أليف العقل ورب الفلسفة وعراب الثقافة والعلوم وأنه صب كل هذه الذخيرة وخلقها واطرها وان كل شيء تم واكتمل منذ زمن / الماضي / وأنه لم يعد هناك من جديد . قتلونا بإيمان زائف .فلهؤلاء نقول عليكم الأخذ بعين الإعتبار هذه المسافة الشاسعة ( العصور التي مرت ) وما ترتب عليها من تغيرات شاملة /......./
2- موقف خاضع خضوع سلبي اما خوف أو كسل
وعلى أساس هذين المهربين من الصواب دخل الأدب مرحلة سبات أرهقت الفكر وتجلى ذلك بعدم الإستجابة للآخر الفكري ( المتدحرج ) وبالتالي بيئة عقيمة فحدثت فجوة فصلت الاجيال المتعاقبة عن بعضها البعض ودفعتها بغربة عن البعض الآخر ، فلو تتبعنا مسيرة الانتاج الإصلاحي الفكري لأرعبتنا تلك الهوات ، الفجوات المعرفية التي اندرست في لججها معالم التواصل والتتابع والتلاحم والتلاقح والتخاطب والتناغم والتساوق الفكري الأدبي .
فكيف لهذه المعاصرة التي لم يسمح لها بالولادة أصلا ولم يعترف بها ( أن تكون) أن يكون لها تأثير على الكاتب رغم محاولاته بالإنتفاض ...كلنا ندرك ...تطور الأدب بكل أنواعه يعني تطور اللغة وبالتالي تطور الوعي وأظن هنا يكمن بيت القصيد.
قيد الأدب بقوالب وبأغلال مسبقة من قبل السلطة المؤسساتية (الفكرية) لقلة وثوقها باﻹختبار الوجودي الفكري (فردي .جماعي ) فلجأت إلى رص ودعم الفكر ورصفه بإطار عقائدي( انظومة كيانية ) يستحيل على المفكر أو الحالات الفكرية الفردية ، أن يشبك هذه الأنظومة بعصارة إختباره فيتولد نوع من
الإنفصام المعرفي بين ما تقرع به طبول هذه الإنظومة (المؤسساتية ) وبين ما يستبطنه في اختباراته الوجودية من حقائق يقينية ملزمة ،فينشأ تباعد ومعارضة حادة تدفع المفكر لمواجهة هذه العصمة العقائدية (الأنظومة الفكرية ) المتعشبقة بأطراف أهدابِ الوديعة الفكرية الأولى .
- القاريء العربي ؟
بعد هذا الوضع المذري والذي أشرت إليه أعلاه ...أي قاريء نتتوقع ؟! لا شك أنه قاريء جامد وكل ما يحتاجه لكسر جموديته هو أدب مفتوح غير مقيد أدب خارج عن النمطية والقولبة والهدف الماقبلي والهوية المعدة سلفا ( الموروثة) ..لنعطه القاريء والكاتب معا حق التشاركية بإعداد هوية متخيلة يسعيا اليها معا ...أريد أن أوضح للبعض الرافض للتأثير المعاصر ( المتفرهد) قواعد اللغة شيء وأداء اللغة شيء آخر.
معرفة النفس هي عنوان النهضةوذلك بقدح شراراتها من معاناة التخلف
الشاعر والناقد سيد فاروق/مصر
أصبح من الواجب على الشعراء والأدباء أدراك وفهم الحداثة والمعاصرة فهماً دقيقاً وصحيحاً ينم على خبرة معرفية، وحساسية إبداعية فائقة،ومن بين هؤلاء الناقد والشاعر المبدع نذير العظمة الذي يرى:"أن التحديث هو سمة من سمات النهضة،ونمطه قائم على استيراد المناهج، والبرامج، والمؤسسات،والأفكار والمفاهيم التي تمتع بها التنوير الأوربي. أما الحداثة فهي تعرف الذات على نفسها بعد هضم التراث، والتعرض إلى رياح النهضة؛ فمعرفة النفس هي عنوان النهضة، لا المؤسسات المستعارةأوالأنماط المجلوبة؟! ربما تساعد.. ولكن معرفة النفس هي الأساس؛ ومعرفة النفس تتضمن معرفة التراث لا التراث القومي،وإنما التراث بمعطياته، ومؤثراته كلها؛ والانبثاق من هذه المعرفة لمعرفة الذات، وأقصد بمعرفة الذات أن تقدح شراراتها من معاناة التخلف، والانبثاق إلى نهضة شاملة"( عصام شرتح ،2012- ملفات حوارية في الحداثة الشعرية،ص75).
مفهوم المعاصرة ؛لغة من العصر، وهو: الدهر والحين.
قال ابن فارس: العين، والصاد، والراء أصولٌ ثلاثة صحيحة، والعصر هو الدهر. قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)} [العصر
ومن معانيه: الزمن الذي ينسب إلى ملِك، أو دولة، أو تطورات طبيعية، أو اجتماعية، يقال: عصر الدولة العباسية، عصر الكهرباء، عصر الذرَّة، العصر القديم، العصر المتوسط، والعصر الحديث، وهكذا
و «المعاصَرَة»: مُفاعَلة من العصر، وتعني اجتماع شيئين في عصر واحد، ومنه وصف الشخص بأنه «معاصِرٌ» أي: أدرك أهل هذا العصر، واجتمع معهم.
أما «المعاصِرة» -بكسر الصاد- فالمقصود بها الكائنة في هذا العصر الذي نعيش فيه ، وعلى ذلك يعرف الأدب المعاصر بأنه جميع الأجناس الأدبية " من شعر وقصة ورواية ...." المنسوبة لهذا العصر وينعكس المفهوم الأدبي المعاصر على المجتمعات العربية بكل ما يعتريها من أحداث جارية فيرصد مشكلاته الأسباب والعلاج.
-الكاتب المعاصر : يحلق في آفاق رحبة من التخيل والفلسفة والتأمل يروم بكارة التجديد لغة وأسلوبا منصهرا في المجتمع، فالأدب الصادق ليس معزولا عن المجتمع، فعلى الأدباء أن يعيشوا تجربة عصرهم، ويعكسوها في أعمالهم متوخّين ترسيخَ الجديد ونفي الفاسد، بعيدا عن التقليد والتكرار. وللأديب وظيفةٌ اجتماعية نحو قضايا مجتمعه دون أن تخرجه عن إطار ومقومات العمل الفنية لأن ما يقوله ليس عاديا. ولو كان عاديا لما تميّز الأديب عن باقي أفراد الشعب ولا يمكن للأدب أن يؤدي وظيفته بعيدا عن مقومات الإبداع الفنية من خيال ورؤية وأسلوب مناسب وتصور لما يعبر عنه، ويرسمه بحريته بعيدا عن الإلزام. فهو مسؤول أمام التاريخ عن كل كلمة عبّر عنه.
-إنَّ ظاهرة الأدعياء وانصاف الأدباء في عصرنا الحالي جعلت المُتَلَقِّي العَرَبي يُعاني فقدان القيمة والمثل التي تحرمه مِن كِتاب جَيِّد، أو رواية تستحق القراءة، ومن ناحية أخرى فأن التقدم العلمي والإنترنت والبرامج المخلتفة التي ساهمت بشكل كبير في سهولة الحصول على المعلومات وأصبح كل شيء متاح من العلم والثقافة كل هذه التداعيات والأسباب ناهيك عن ظروف الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية في جميع المجتمعات العربية جعلت المتلقي في ذات الوقت مَحصور بين عِدَّة جُدُرٍ تضيِّق عليه خِناقه، وتدفعه دفعًا بعيدًا عن التناغم مع الأدب المعاصر ، وبعيدا أيضا عن أصل الثقافة الكامنه في - الكتاب - جاذبةً إيَّاه نحو غيره من تقنيات ومشكلات الحياة المعاصرة .
قدمت المعاصرة روح التجديد لدى الشاعر مع المحافظة على أصل الإبداع العربي
الشاعرة والناقدة إيمان مصاروة/فلسطين
إن المعاصرة كفترة وكما يحددها النقاد تعود إلى مرحلة النكبة في ال 48 من القرن الماضي حيث أخذ مسار الأدب والإبداع منحى آخر وارتبط بالتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي أثرت كلها على الأدب ومساره.
أصبح الأدب يسير في مسار المعاصرة وتغير شكله وفنيته مع التغيرات التي فرضتها المعطيات المرافقة للمعاصرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد تغير شكل القصيدة وموضوعاتها ونعلم أن الشعر الحر أحد أنواع إفرازات هذه المرحلة التي لا زالت مستمرة حتى يومنا هذا .
وكان عبد الوهاب البياتي وصلاح عبد الصبور وأحمد حجازي وخليل حاوي وأدونيس، ونزار قباني، وتوفيق زيادو فدوى وإبراهيم طوقان ودرويش والقاسم، ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب وآخرون قد بادروا للخروج عن المألوف في ذلك .
ولابد هنا من الإشارة إلى عدة أسباب لظهور الشعر الحر وشعر التفعيلة وهو التأثر بشعراء الغرب والميل إلى التحرر الفكري والتجديد عند الشعراء، وبذلك قدمت المعاصرة روح التجديد لدى الشاعر الذي أصبح يحلق بإبداعاته دون قيد علماً أنه حافظ على أصل الإبداع العربي مع تقديم ما يليق بالمرحلة السياسية والمجتمعية والإنسانية التي تحاكي واقع الايدولوجيا والوطني والإنساني العام ويتراوح ذلك بحسب موضوع القراءة الذي يختلف من شخص لأخر، والذي يرتبط حسب الموضوع الإبداعي والفئة العمرية والمناطقية ومن يميز النص عن غيره القارئ الذي أصبح اليوم متابع جيد وصاحب ذائقة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل المتابعة الحديثة .
كتّابنا غائبون حضاريا في مستوياتهم الفنية و يوجد شبه قارئ عربي
الأديب والشاعر أ.د. بومدين جلالي/الجزائر
يحمل مصطلح المعاصرة دلالة زمنية وجودية كما يحمل دلالة معرفية حضارية، فالأولى ترتبط بمعايشة الحاضر الراهن من أي موقع كان، والثانية تنبع من مدى الفاعلية فيه في مختلف نشاطات الحياة... وتأسيسا على هذه الثنائية أقول إننا معشر العرب نعيش بكل تأكيد المعاصرة الزمنية بحكم وجودنا فيها بوصفنا أفرادا ومجتمعات ودولا تنتمي إلى هذه اللحظة المحددة من مسار الزمان ، وبالمقابل إننا لا نعيش المعاصرة الحضارية إلا بصيغة مجازية هامشية لأن مساهمتنا المعرفية فيها - بمختلف معاني المعرفة - تكاد أن تكون منعدمة ... وما ينطبق على المعرفة العلمية والتقنية وغيرهما ينطبق أيضا على الأدب... فأدبنا العربي المعاصر موجود وفق معنى الحضور الزمني لكنه يكاد أن يفقد الوجود وفق المعنى الحضاري للمعاصرة إذْ هو لا ينفع ولا يرفع ولا حتى يمتع بحكم اللاأدبية المسيطرة على معظم نصوصه إضافة إلى شبه قطيعته مع أصوله وسقوطه في قيود الاتباعية الغيرية بعجز فني وسطحية فكرية واضحين للعين المجردة.
إن المعاصرة الزمنية لا تساهم في صنع كاتب ولا تلبي طموحه بينما المعاصرة الحضارية لها دور لا يستهان به في ذلك. ومع استثناءات نادرة؛ كتّابنا غائبون حضاريا، في مستوياتهم الفنية كما في إداركهم لطبيعة اللحظة الحضارية التي نمر بها،. جلّهم يهيم وهو فاقد البوصلة واهتماماته لا تتعدى مراهقته العاطفية ونزواته الجنسية وأطماعه الأنانية التي لا يضبطها ضابط معين ... فالقريض تسيطر عليه غزليات المراهقة الدائمة والسرد تحتله احتلالا فظيعا تيمة التخييل البرنوغرافي، بأسلوبية لا ترقي في الشعر إلى مستوى شعرية شعرور من العرب القدامى كما لا ترقى في السرد إلى مستوى سردية روائي غربيّ من الطبقة الثالثة أو الرابعة، وقس على ذلك في بقية الكتابات الإبداعية العربية المعاصرة بالمفهوم الزمني لا غير... والنقد – ذاك المؤسس على الفراغ غالبا – فهو مرة إيديولوجي، ومرة قبَلي، ومرة مصلحي، ومرة يأتمر بأوامر الكرسي ... بينما أدبية الأدب غائبة منسية أو تكاد، والقضايا المصيرية الجوهرية / الملهمة للعبقريات الكاتبة لا ترد على لسان إلا في مناسبات رسمية فقدت معناها نتيجة الجفاف الروحي وضحالة الزاد ... وهكذا أصبحت معظم ثقافتنا الأدبية بإبداعها ونقدها تدور في حلقة مغلقة فارغة ... والكاتب الخارج عن هذه الحلقة يقضي أيامه الغريبة في اغتراب متواصل.
لا يوجد قارئ عربي بمعنى القارئ الموجود في أوروبا وامتداداتها الغربية الذي يقرأ في أسوء الأحوال كتابا في الشهر وإنما يوجد شبه قارئ عربي لا يتعدى عدد الصفحات التي تمر بها عيناه حوالي عشرين صفحة سنوياً بحسب الإحصاءات المنشورة دوريا في الإعلام ... ومن هنا فالقارئ العربي المعاصر معاصرته زمنية وليست حضارية ... ومرجع هذا العزوف عن القراءة يعود إلى ثلاثة عوامل رئيسة، أولها : استقالة الأسرة العربية – أباً وأمّاً – من وظيفتها التربوية التثقيفية والتركيز فقط على ما هو مادي، وثانيها : اكتفاء المدرسة العربية بالتلقين من أجل الحصول على علامة النجاح وإهمال الجانب التثقيفي الذي يبني الإنسان، وثالثها : نزوع الإعلام العربي بمختلف وسائله وفضاءاته نحو الترفيه وتهميش الأبعاد التثقيفية في اهتماماته ... ومن هنا، فلا قراءة ولا قرّاء ولا تناغم مع المعاصرة إلا بشكل نادر لا يكسّر القاعدة المشار إليها.
الحداثة فهي كل ماهو حداثي وهي تتجاوز العصر ولا ترتبط بزمن
الشاعرة د.لطيفة الأعكل/المغرب
حين الحديث عن المعاصرة يربط البعض بينها وبين الحداثة مع العلم أنّ المعاصرة ترتبط بالعصر أي أنها ذات دلالة زمنية.
أما الحداثة فهي كل ماهو حداثي لم يسبق التداول به ، وهي تتجاوز العصر ولا ترتبط بزمن قديم ،أو بزمن معاصر.
ولا يمكن أن يطلق على شاعر معاصر أنه شاعر حداثي ما لم يٓأْتِ بجديد، كما أن عدداً من الشعراء المعاصرين يميلون إلى الكتابة على نمط القصيدة العربية القديمة ،ولهم موقف رافض من شعر التفعيلة ،ومن قصيدة النثر.
كما أنّ بعض النقاد العرب يعتبرون أن الحداثة ظهرت في القرن السابع على يد مجموعة من الشعراء العباسيين أمثال أبي نواس، وبشار ابن برد و أبي تمام وغيرهم .
وقد كان أبو نواس الشاعر الشعوبي أول من ثار على المقدمة الطّللية للقصيدة العربية القديمة واِستبدلها بمقدمة خمرية .
يفتتح إحدى قصائده قائلا :
عاج الشقيّ على دار يُسائلها
وعُجتُ أسأل عٓنْ خمّارةِ البلدِ
لا يُرْقِىءُ الله عينيْ مٓنْ بٓكى حجراً
ولا شٓفى وٓجْدٓ مٓـنْ يصبُو إلى وٓتٓدِ
وكما عُرف أبو تمام بالإغراق في الصنعة والتصنيع والإهتمام بعلم البديع لحد الغموض حتى سأله أحدهم يوماً: لِـمٓ تقول ما لا يُفهم ؟
فأجاب : ولِـمٓ لا تفهم ُ ما يُقال؟( من كتاب الموازنة بين الطائيين للآمدي ).
ويطول الحديث عن شعراء الحداثة خاصة عن شعراء الرابطة القلمية ( خليل مطران وجبران وميخائيل نعيمة وغيرهم ) وعن شعراء التفعيلة ( السياب ونازك الملائكةوصلاح عبد الصبور وغيرهم ).
وكل هؤلاء شعراء حداثة لا معاصرة وإن
كان منهم من تأثر بالتجربة الشعرية المعاصرة الغربية عند الشاعر ت.س اليوت صاحب قصيدة الأرض الخراب
نحن نعيش العصر ولكننا مقلدين وغير مبدعين
الأديب محمد صوالحة/ الأردن
أظن أن المعاصرة تعني في مفهوهمها العام أن نعيش العصر وتطوراته وأن نواكبه فكريا وثقافيا .
نحن نعيش العصر ولكننا مقلدين وغير مبدعين في كل النواحي الثقافية من الكتابة إلى الفن وحتى في النقد مقلدون حتى في طريقة عيشنا فالمثقف هو انعكاس للمجتمع فمن ناحية الابداع توقفنا عند العصر الحمدانيين إلا في ما ندر .
في عصرنا ظهر بعض النوادر التي لا يقاس وصاروا رموزا ثقافية أما في الغالب فنحن نعيش قشور المغاصرة وروح التقليد.
أتمنى أن نعود لجذور ثقافتنا الغنية بما فيها من أصالة وقدرة على التعايش مع روح العصر والمعاصرة .
إن المعاصرة والحداثة عندما جاءتنا من الغرب لم تكن سليمة النية
الأديبة والناقدة الذرائعية
د .عبيرخالد يحيى - سورية
المعاصرة أوالحداثة في الأدب العربي هي ثورة تجديد وانقلاب على المألوف الأدبي, أي أنها لا تؤمن بقولبة الأدب, وخصوصًا الأدب السردي, فدعت إلى الخروج عن البناء الفني التقليدي أو الكلاسيكي في السرد, باستخدام تقنيات جديدة, معظمها داخلية ونفسية, حيث أن الرواية المعاصرة هي رواية نفسية بالمعظم, تستخدم تقنيات الحوار الداخلي monologue وجريان تيارالوعي النفسي Stream of consciousness, والخطف خلفًا flashback, وهي تبحث في طياته عن الانبهار والتشويق, كما دعت إلى الخروج عن القافية في الشعر, فجاءت قصيدة النثر, لذلك حاول الأدباء الحداثيون مزج الأدب بالفن, لأن الفن فيه تحرّر وإرهاصات متقلبة, كالتجريد abstract وغيره, لذلك بحثوا عن مبدأ أسلوبي يشترك فيه الرسم والموسيقى والأدب ببوتقة واحدة, فكان أسلوب الرسم بالجُمل أو العزف بالكلمات, وهذا مبدأ جمالي يجمع ثلاثي أجمل مغريات بالتشويق, وجعل المعاصرة تصب في مجرى الأدب بإطلاق سيل من المدارس الأدبية والفنية والموسيقية التي زيّنت الأساليب الأدبية السردية وجعلتها تخرج عن التقرير نحو( الأدبية والشاعرية) بالانزياح نحو الخيال ودرجات الرمز التكثيفي التعبيري بالجمع بين عدة مدارس بأسلوب واحد, فظهرت بوادر لأساليب أدبية كأسلوب الخطف, وأسلوب المزج- المزج بين المدارس الأدبية التي دخلت في المعاصرة كمدرسة البرناسة (الفن للفن) والأدب للأدب والمدرسة التجريدية والمدرسة الانطباعية والمدرسة النفسية والفلسفية ومدارس أخرى سياسية واقتصادية- وأساليب أخرى تسمى بمدارسها كالرومانسي والفلسفي والنفسي .... وهذا ما ساعد الكاتب العربي على امتلاك أدوات أسلوبية جديدة ومبتكرة عليه فقط أن يتقن استخدامها, ونستطيع أن نرصد هذا التطور بشكل واضح عندما نقارن بين عمل كلاسيكي لكاتب وعمل معاصر لنفس الكاتب, ولقد كان لي دراسة مقارنة بين الرواية كلاسيكية (المصابيح الزرق) وكانت أول رواية لحنا مينة وآخر رواية له وكانت معاصرة ( عاهرة ونصف مجنون).
إن المعاصرة والحداثة عندما جاءتنا من الغرب لم تكن سليمة النية, لأنها كانت ثورة على الموروث بالمجمل, حتى وإن كان هذا الموروث حميدًا, وثورة على الأخلاق والمعتقد الديني, والعرف الاجتماعي المحافظ, ودعوة للتفلّت والتفكك الأسري... ولكن اللغة العربية وآدابها المسنودة بالقرآن الكريم سيد النصوص ومحتوياته للمضامين الثقافية والفكرية في جميع مجالات الحياة, بالإضافة إلى العربة الشعرية العربية الراقية والتي نُعتت ظلمًا ب ( الجاهلية) وهي أم الثقافة والفكر الإنساني المتوارث, كل ذلك جعل للحداثة مفعول عكسي في الثقافة العربية, فلم تؤثر الحداثة سلبًا في جميع أنحاء الوطن العربي إلا عند القلة.ومن منظور معاكس, فإن ما بثته المعاصرة من المدارس الأدبية والنظريات النقدية, والمذاهب الفلسفية أتى بفوائد كبيرة لا تحصى, طوّرت الأدب العربي وجعلته يتفوق كثيرًا على الأدب الغربي, بسبب طبيعة اللغة العربية وجمالياتها, ووعي الأدباء والشعراء العرب وفلترة المدّ الغربي من أهدافه الخبيثة. هذا الرأي اعتمدته الذرائعية, وتكلّم عنه مؤلفها المنظر العراقي عبد الرزاق عوده الغالبي في المجلد الثاني من الموسوعة والمعنون ب( الذرائعية وسيادة الأجناس الأدبية).
بالنسبة للقارئ العربي فهو مازال متأرجحًا بين الكلاسيك والمعاصر, إذا أخذنا بنظر الاعتبار فرق الأجيال بين كبار السن والشباب, لكن الكفة ترجح باتجاه المعاصرة, كون حتى كبار السن قد عاصروا الحداثة مع مرور قرابة القرن على تصديرها, لكن الشباب هم أكثر حماسة لها, كونها ترصد واقعه القلق, فهي حديث النفس الذي كسر جدار الصمت وخرج يبحث عن إجابات, أكثر من كونها أحداث تُسردها رواية أو قصة.
الأدب لم يزل نخبوياً و غير مؤثراً في الشارع أدعو إلى أدب شعبي و ليس نخبوي
الأديب والناقد د . أنور غني/العراق
المعاصرة نظام مشتمل على الأصالة و التجديد، و الذي لا بد أن يكون له تجليه في العناصر الابداعية الثلاثة أي الفنية و الجمالية و الرسالية.
فلا بد للعمل الأدبي أن يكون أصيلا و تجديديا في فنيته و في جماليته و في رساليته.
و بالقدر الذي يكون العمل تجديداً في إبداعه لا بد أن يكون أصيلا أيضا لأجل عدم ضياع الهوية و الوقوع في هاوية التقليد و الاستنساخ.
من المهم جدا أن يكون العمل الأدبي معاصراً لأنه بدون لك سيكون متخلفا و رجعيا.
لا بد أن يكون معاصراً في فنيته أي في تقنيات الكتابة و لا بد أن يكون معاصراً في جماليته أي في التأثير و الإبهار و لا بد أن يكون معاصراً في رساليته أي في خطابه و موضوعاته و تناولاته و قضاياه. و لا بد من التأكيد أن المعاصرة لا تعني الحداثة كما لا تعني الشذوذ، حيث أن الحداثة تؤدي إلى العزلة بسبب أدواتها القاصرة جماليا و رساليا و الشذوذ يعني دم الأصالة و عدم الاقناع أي قصور فني و رسالي أيضا.
المعاصر هي صفة لعمل المبدع مع الانتشار تكون ظاهرة.
إن المعاصرة ضرورية لكل عمل إبداعي بل لكل عمل إنساني و إلا فاننا سنعيش في الماضي و يكون وجودنا رجعيا و متخلفا.
المعاصرة هي المجال الوحيد الذي يمكن للمبدع أن يبدع و أن يوصل رسالته و أن يؤثر، و من دونها سيكون عبارة عن تكرار تقليد و تراكم لا فائدة منه و لا تأثير. إن لكل عصر أناسه وأدبه و فنه و محاولة شد الناس إلى الماضي هو رجعية مقيتة و تخلف مرير وهذا ما يتصف بها البعض مع الأسف.
إننا نلاحظ جميعا أن هناك رغبة و حماس قوي لدى الكاتب العربي في أن يتناغم مع متطلبات مرحلته لأجل التطورات الكبيرة السياسية و التواصلية التي حصلت في منطقتنا والتي لم تكن مسبوقة.
إن البقاء على نغم الماضي و السابق يعني تخلف لكن حقيقة الكاتب العربي استطاع أن يعي متطلبات المرحلة و أن يسعى بقوة إلى أن يكون معاصرا لكن مع بعض القصور في جوانب ابداعية أهمها الجمالية حيث لا يخفى أن الأدب لم يزل نخبويا و غير مؤثرا في الشارع وهذا بسبب قصور الجمالية فيه و أنا دوما أدعو إلى أدب شعبي و ليس نخبوي ، مع أننا نرى تكامل الجانب الفني و الرسالي أي أن يكون العمل موافقا للشروط الفنية و الرسالية ذا قضية لكن لا يكون ذلك مرافقا لتكامل في البعد الجمالي وهو الذي يجعل الادب مؤثرا و خالدا ، العمل الأدبي الرسالي الفني إذا لم يكن جماليا مؤثرا و مبهرا فإنه سيكون قاصراً ولن يعطي ثمرته و لا يحقق كيانه.
المعاصرة لبت طموح بعضهم فيما أسلمت غيرهم إلى الارتياب فيما عاش المنصفون على الأعراف.
الأديبة والناقدة خلود أبو ريدة/ فلسطين
سادت في مجتمعاتنا مصطلحات وحدود نقدية كالمعاصرة والحداثة وما بعد الحداثة وأزعم أن كل هذه المصطلحات كانت نتيجة للتقدم الزمني والتطور الذي هو سمة كل العصور وبما أن الأدب دعامة مهمة في المجتمعات لذا نراه هو أيضاً تماشى مع هذه المصطلحات وتفيأ ظلالها
وبناء عليه ندخل إلى مفهوم المعاصرة في الادب هي مواكبة ركب التطور ومعايشة روح العصر وقد أشار النقاد إلى ذلك وأخذوا يبنون نظرياتهم النقدية تماشياً معها .
لقد تطورت المجتمعات وانفتحت على ثقافات غيرها ، وأخذت تتماشى معها وتواكبها وما الأجناس الأدبية الوليدة إلا أنموذج لذلك.
وقد لاقت المعاصرة في الأدب مؤيدين لها منهم من أخذوها بحذافيرها نافضين عن رؤوسهم غبار التقليد ، ومنهم من دعا إلى هجرها والعودة إلى معين الأدب القديم نتفيأ ظلاله ونستقي منه العذب الصافي
ووقف غريق ثالث ينادي بالتصحيح والتجديد والذي أزعم أنه فريق منصف بالنظر إلى فكرته فهو يرى قضيمنا بحر زاخر يمكن تطويعه لمواكبة روح عصر لا يمكننا التخلي عنها وإقصائها ومن هنا أذهب إلى ما ذهب إليه الفريق الثالث في ضرورة أن يتصف أدبنا بالأصالة والعراقة مستنداً إلى أساسات العصر المتينة بعد أن يصفيها من الشوائب متخذاً ما يتناسب مع ثقافتنا وتقاليدنا وموروثنا الثري وأقول إن أدبنا القديم مزن له قدرة على المعايشة والصمود أمام رياح التجديد الجارفة.
إن المبدع هو ابن بيئته ومجتمعه ويحمل رسالة عليه أن يؤديها لذا أرى تفاوتاً في الاستقاء من المعاصرة
ففريق منهم يؤمن بكل ما هو جديد رأى فيها النهر العذب المنساب ومنهم من رأى أن في المعاصرة مخالفة لما جاء به أدبنا العريق من خطاب فأوصد دونها كل باب ومنهم من ركب قطارها الجديد دون أن ينسى عريق أدبه وما هو هادف مفيد
إذن فالمعاصرة لبت طموح بعضهم فيما اسلمت غيرهم إلى الارتياب فيما عاش المنصفون على الاعراف يطرقون كل الأبواب.
لقد تناولت أعلاه انعكاس المعاصرة على المبدعين وما يسري عليهم يسري على القارىء العربي فمنهم من بهر بآداب غيره وضل الطريق ونسي أن ماضي أدبنا هو العريق
ومنهم من نأى عن رياح المعاصرة وعاش للماضي وفي الماضي ومنهم من كان وسطياً منصفاً ذا قدرة على الانتقاء
فاختار المعاصرة المبنية على أساسات ثابتة في ماضي أدبنا العريق وعليه هو راض كل الرضا عما ينتجه المبدعون في هذا الباب.
المعاصرة في الأدب العربي ما بين العيش مع الأموات والموت مع الأحياء
الأديب والناقد حسين الباز / المغرب
نقول فلان عاصر قوما أي عاصرهم وعايشهم في فترة حياتهم ، وبالمنطق لا يقبل العقل بمعاصرة الأحياء للأموات ، فلكل زمان مكانه وأهله ولغته وأساليبه في حل المشكلات إن اجتماعية أو عقائدية أو سياسية أو اقتصادية أو أدبية ، لهذا تتغير الدساتير بتغيير الأنظمة في محاولة منها لمسايرة العصر.
من بين المشاكل التي تحول دون تنزيل المعاصرة على أرضية الواقع هي تقديس قوم ما للتقاليد والأعراف ، وانحصارهم في العصبية القبلية على شكل طوائف يستحيل معها الانعتاق لتمسكها الشديد بالأموات لغة ودينا وفنا ، لهذا تجدهم وهم قلة يرجعون نمطية عيشهم الحاضرة بالقياس في كل شيء وكأن لسان حالهم يقول : هذا ما وجدنا عليه آباءنا وإنا لهم لتابعون ، يقصون الحاضر والمستقبل ، فيوقفون الزمن للعيش في ماضوية رجعية غير قابلة للعصرنة ، وفي الوقت الذي قطع الغرب كل صلة مع الماضي ، لما يزل الشرق في استماتة وتقاتل لإحياء التراث ، لا بل وجعله حاجزا منيعا لصد كل محاولات التجديد ليس في الدين فحسب بتقييد شرائعه بأصول ابن تيمية والبخاري وإنما تعدى ذلك إلى اللغة فأوقف نحوها وصرفها عند سيبويه ، والشعر عروضه عند الفراهيدي، مما انعكس سلبا في نمو الحضارة العربية قلبا وقالبا، إن لم نكن متفائلين بعصر العولمة فنقول إن هي إلا محاولات فاشلة لإعاقة سير التقدم ستصبح يوما في خبر كان مع العالم القرية الذي يجبرنا على معاصرته.
-استطاع الأدب العربي المعاصر بشكل كبير تجاوز الأصالة بإيجاد بديل عنها مسايرا للعصر ، لغة وأسلوبا ووجد ضالته في الشعر الحديث فأبدع ولما يزل يبدع لولا تصور بعض المجددين بأن التجديد قد توقف عندهم أيضا ، فحاد الأغلبية عن شعر التفعيلة التي تحوي قيودا أصولية كالوزن بالتنقل من بحر العروض لآخر ، وراح يعتمد على الإيقاع في شعر النثر، وطال فك القيود من كل الفنون ، في الرواية والقصة والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا ، والتخلص من التجنيس أيضا فأصبح الكاتب يجمع بين اجناس مختلفة في نص واحد مبتكرا مجددا في كل حين.
- تحت ضغوطات السرعة ، وبولوجه لعالم الإنترنت ، أضحى المتلقي يبحث عن القليل المفيد ، والسهل غير المعقد ، بحيث بضغطة زر ينتقل من كتاب لآخر ، قد يلجأ تطفلا أو بحثا عن تراث قديم لإغناء معرفته ، ولكنه في بحث مستمر عن الجديد والانطلاق للآفاق، كل ما يستوجب على الكاتب المجدد هو التمسك بجمالية اللغة وبسلاستها لأن الجمالية لا تموت، ويحرص كل الحرص وهو يشق طريقه نحو التجديد بأن لا يصبح ميتا بين الأحياء.
القارئ العربي صاحب ذائقة عميقة وأصيلة
الأديبة سمية الحاج عيد / الاْردن
أعتقد أن مفردة معاصر لا تعني سوى أنه كُتب في عصر القارئ الحالي ولكن إذا تكلمنا عن فكرة الأدب الحديث فمن وجهة نظري أن الحداثة بإيصال الفكرة بأقل كلمات تركت للقارئ هامش من الحرية في دمج خياله الشخصي مع النص ليخرج بنتيجة تشبه توقعاته أو طموحه الشخصي وهذا بحد ذاته إضافة عظيمة للأدب من وجهة نظري .
أما بخصوص القارئ العربي فهو صاحب ذائقة عميقة وأصيلة هذا ما يجعله مرناً مع المحتوى الأدبي مهما اختلف النص أو دلالاته.
المعاصرة في الأدب العربي وجدليّتها بين الكاتب والقارئ - حلقة نقاشية إدارة: نوار الشاطر
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
20 أبريل
Rating:
ليست هناك تعليقات: