قصيدة عادية .....بقلم جان دوست / سوريا
يوماً ما سأطبق عيني للمرة الأخيرة
ولن أرى بعدها شيئاً
سوف أغادر هذه الدنيا
لألتحق بقافلة العدم
لن أسمع ضجيج السيارات من نافذة غرفتي المطلة على الشارع الصاخب
لن أرى قطار السابعة يمر في موعده كل صباح
فيخفق قلبي لقرقعة عجلاته المعدن على السكة العالية
كما لو أن أحداً أحبه يسافر في إحدى مقطوراته
ولن أرى الطائرات ترتفع وتهبط
وعلى متنها ركاب قلقون من الصعود في السماء
أو مبتهجون لقرب وصولهم. إلى الأرض
حيث تنتظرهم المسرات ذاتها
والأوجاع ذاتها التي سئموا الحديث عنها.
سوف أغادر هذه الدنيا وأكف عن الحلم
لن أرى الكوابيس التي تصحبني في نومي
ولا النادر من الأحلام السعيدة التي تجود بها ذاكرتي المنهكة من أيام الطفولة
ومقتبل الشباب.
سيذهب الناس كالعادة إلى البحر
ستتراشق الفتيات بالمياه وهن يضحكن بجنون
وسيعرض الشباب مهاراتهم في السباحة والغطس.
سيلعب الأطفال كالعادة على الرمل متبرمين من قبعاتهم الكبيرة
وثياب البحر الضيقة
ونور الشمس الباهر.
لن يتغير شيء من عادات الناس
سيغنون ويرقصون في الأفراح والأعراس
وصالات الديسكو
ويشربون حتى الصباح.
وسيبكون في المآتم
وحين يفشلون في الحب.
ستنشب حروب جديدة كالعادة
وتزحف جيوش هذه الدولة على جيوش تلك وتسحق المدن
وتبيد العائلات التي لن تفهم سبب نشوب الحرب.
ستندلع ثورات أخرى
فالبشر مثل البراكين، لا يضجرون من القيام بالثورة والتمرد
وستقمع الدول القادمة الثورات الجديدة كما قمعت الدول السابقة الثورات القديمة
ستمتلئ السجون بالمعتقلين
ويموت الآلاف تحت التعذيب
وتندد الدول "العظمى" بانتهاك حقوق الإنسان في هذا البلد أو ذاك
وتستمر في بيع الأسلحة إلى هذا البلد وذاك.
سأكون ميتاً وقتها
سأكون ميتاً سعيداً
لن أسمع نشرات الأخبار ولن أشاهد مناظر القتلى تحت الأنقاض
ولا الأطفال الذين يبكون على أهلهم وسط الخرائب المخيفة.
سوف تشرق الشمس كالعادة
على كل بقعة من هذه الكرة المجنونة
بفواصل زمنية دقيقة
دون أن تهتم بمن تشرق عليهم.
ستهطل الأمطار والثلوج
وتتغير الفصول
ويتبرم الناس من تقلبات الطقس
لاعنين الحياة المضجرة كما في كل وقت.
سأموت يوماً
ولن يعود بإمكاني أن أقرأ الكتب الجديدة
أو أكتب جملة واحدة بعد التحاقي بقافلة العدم.
لكن الكتابة ستستمر
وسيظهر كتاب جدد
وناشرون جدد
وكتب جديدة بأغلفة باهرة
وتمتلئ معارض الكتب بالقراء الذين سيملؤون حقائبهم بالكتب الصادرة حديثاً
الأكثر مبيعاً
والتي حصدت الجوائز الكبرى
أما أنا فسأكون منكباً على قراءة سفر الموت داخل حفرتي النهائية (معرض الموت الثابت)
ولأن ما يمكن أن يرد في هذه القصيدة
من وجوه الحياة المتعددة بعدي
لن تنتهي
ويمكنني أن أسردها إلى أن تحين لحظة موتي
فإنني سأتوقف عن الكتابة الآن
وأغلق نافذة هذه القصيدة
على روحي التي ترتجف من برد الحياة.
بوخوم. 17.02.2020
جان دوست
سوريا
قصيدة عادية .....بقلم جان دوست / سوريا
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
19 فبراير
Rating:
ليست هناك تعليقات: