ثمانية نصوص للشاعرة التونسية نسرين المسعودي/ تونس



كيف حالك دوني؟
أنا فستان ضيّق
في دولاب خشبي كبير،
أنا وجه بلا جلد
و عظامي حجارة تتكئ على حجر.
قلبي كلب ضال في الطريق
يقضم الوقت في النباح،
يلعق الخطوات
و يركض في الواد...
ألوووو هل تسمعني؟؟
انقطع الخطّ ....
صباح الخير،
كيف حالك دوني؟
أنا بخير،
تزّوجت و لي طفلان،
في غرفة النوم أعلّق صورتي
بفستاني الأبيض
و صوتي الغائب في زغاريد الخالات
و أطباق الحلويات،
لقد كانت دون سكر،
لا أعرف كيف أحبّها المدعوّون.
غادرت منزلنا دوني،
وزّعت أمي أغراضي بعد أسبوع من زفافي
طفولتي و صباي،
قبلاتي المنثورة،
تنوراتي القصيرة
و أضاعت مذكراتي في زحمة النسيان.
أضاعت اسمك،
غيرّت لون الطلاء في غرفتي،
استبدلت أحذيتي و المواعيد
بفناجين مزخرفة من بائع متجوّل غريب!
لم يبق سوى صدى شقوتي
و شبح الضفيرة.
ألو، هل تسمعني؟!!
نعم، انا أسمعك.
تعلّمت الطهي
و الاحتراق بالفرن،
تعلّمت الكيّ
و مسح البلاط
و تغيير اللحاف و الوسائد
تعلّمت النوم في الليل
فلا شيء يستحق الحزن؛
صرت أنام كثيرا
كثيرا
لا شيء يستحق السهر؛
كيف حالك دوني؟!!!
--------------------------------

أنا الراسبة في الحب كل ّ سنة
خُلقت  النهايات من ضلعي
و غرق  الخذلان في  بؤبؤ عيني     
أنا  الممزوجة بالملح و الطين   
و صرخات  الشفق و الحنين 
أمدّ  جناحيّ  فتتسع  السماء و تنشقّ
و يقصف البرق ويحرقني البرد
 جراحي أعشاش مبللة
و الشجر مريض عليل
  في خفايا  الظنون
خذلني العقل
 خانني  الجنون
 طريقي في الغابات
ومنعرجات  السهول
رافقت   الغزلان
 نسيت  عاداتي
نسيت سباتي
بعين واحدة أنام
و لا أنام
أنا الخائبة  القابعة  فيّ
فقدت    حواسي
استعرتّ  من الظلّ  جلاّسي
 و صار  الليل كالنهار
  كأنفاسي كرصاص الصيّاد 
 تصيبني   لعنة العشق
 تنحرني  خناجر  الشعر     
  قلبي  قدر من الماء
و  جسدي حطب من   النيران 
تجاوزت   درجات الغليان
تجاوزت   نوتات الاحتراق
عبرت  الرماد ,تسلقّت  البخار
في اضطهادي  في احتلالي
في انفطامي في انفصامي
تزامنت مع العيوب بإتقان  
تسابقت مع   الايام  بإصرار
أخضرّ  في الهطول
و أنمو  في العناق 
 و ينضج  دمي في الاشتياق
 أنا المصلوبة
 في الحرف , في النص
في الفكرة ,في العنوان 
أنا الممحاة 
أشطبني  في الخطأ 
في التكرار
في الهذيان 
 أحاول ان اكون  ثقبا في الورق
 صدأ في الأبواب
 أنا الخائبة في  الاكتفاء 
في  الإمتلاء
في  الارتواء
صوتي ممدّد على  اللحاء
 ممزقّ في الهواء  
 مرتعش في النار
منهمر في الألوان
في الصدى

أجيد  فنّ  البكاء
 أمارس كل  أنواع الانتحار
أرسب كل سنة في الامتحان
----------------------------------------

سأحدثكم عن أشيائي الكثيرة
عن الضوء و حجة الطريق
عن صهيل الراكضين في المدى
حين ينزلق من الجبين و يزحف
عن الظلمة التي تسرق الظلّ
و تهشم المرايا
عن فواكه الوجوه  يقطفها الدمع
عن الأقدام المتعبة
حين تتسلل مع صرير الابواب
تخلع نعالها
 تغرق في خفايا الصدى
عن امرأة
أكلت قلبها حين اشتدّ  الجوع
عن شامات مجنونة
ترتق الهزائم
عن الفطائر العسلية
و قدر الماء المغليّ للاستحمام
عن غابات اللوز
و لون التراب
عن السباحة في الوديان خلف الجبال
وقوالب الوحل اللزجة
عن مذاق التفاصيل
عن زمن سجين في الضلوع
عن عرس الشيطان و قبلات العرسان
صوت الطبول
و الألوان و الماء و النورس
عن صبية تمزّق سياط العقاب
عن الجنون المندس في الجوارب القطنية
و الخصور الراقصة
عن الغروب في القرى
صوت المساء المنفطر في القلوب
و الثوب البرتقالي الممدّد في حضن البحار
عن قصص العشق النائمة
عن حنين شجر الزيتون
و قطار معطّل
و صدأ الحديد
عن أنفاس الريح
و امرأة الحلوى
.....
و رغم أنني مدمنة- بارعة- للتفاصيل
لم أجدني في ذلك الضجيج
--------------------------------------------------------


تتعرّق السكينة
فيلملم الشجر جراح الحزانى
و ينبعث الأنين من خيوط الستائر
يسكن الحفيف خشب النوافذ
سلال السعف المعلّقة في الشرفات
تنفلت دبابيس شعري الناعسة
وتزحف زخات العرق فوق ظهرك
أغادر حينها السرير
و في فمي مذاق السكاكر و المرارة
أنفاسي عالقة في عنق الأحلام
و ظلي يتكئ على عصا من زجاج
يمكنك أن تشعر
أنني أنهمر رذاذا من عنبٍ و توت
خصري يرتعش في رقصات ثملة
لتتأرجح مني الحواس
كحبات المطر،
فتشعّ من أطرافي مصابيح خافتة
ينحني رأسي
و أسوق الصباح إليك
من وراء الصدى تتلألأ الشمس في عرْيّ
تشقّ صدري و تجثو فوق صدرك
تلعق أصابعها من الطين اللزج
و يتشكلّ قلبي كدلو من الماء

أغادر السرير
ليتدفق بريقي من الجدران و تتموّج الأرجاء
فأبحر في سفن ورقية
و تصير الروح أشرعة تروض الهواء
في الأفق البنفسجيّ تتسع في الملكوت رؤياي
و يضيق المدى في قبضة الجنون
تشعر حينها
بأصابعي الباردة تقطف وجهك
و تتذوق طعم الدم حين تقترب الوخزات،
لتخترقني الأشواك
كلما احتويتني
أكثر
يزداد الأذى
يبطش الصراخ، و يكشر الألم عن أنيابه
تتصلب الأماكن
و يصفعك الفراغ
يقتلك و يقتلني
حينها
يصير البكاء أنفاسا للأوردة
و يصير الصوت تحت الجلد
قشعريرة البرد
و احتلال التفاصيل في الذاكرة
فتشهق المسافات
و تلين القسوة
و يشفق الغياب
يرغب بك
و يشتهيك الغروب
فيعترضك عطري في الطريق
و يعانقك فستاني
و عقدي الجوري
و تنام الزفرات في كأس شرابك
و يبيض ذقنك
فتلوّح لي خلف الضباب
و أستنشقكَ زخات الشذى
-------------------------------------

كان مؤلما أن أنتزع قلبي 
أضع مكانه  خرقة حمراء 
أوحفنة تراب
  بشهقة بكاء تتعثر  الروح
  تجثو على كتفيّ   الأشجان 
 فيغرّد  الصبار في صدري
و تئن الأشجار

 كان مؤلما أن   
   يدب  الوخز تحت جلدي 
و تنمو   الأشواك حول خصري
 يرحل الشوق   دون رقص
دون ضياء 
 أعبر الليل حافية القدمين
أطمس وطأة أنفاسي
 أجمح في سكون الضوء 
أحمل  ظلي عاريا  متوهجا 
ليحترق  من دون نار
أو  أصابع مبللة

 كان مؤلما أن
 تهب السماء صوتي
بكاء   للوسائد
أو صلاة للبرد   
 لأجتاز الرصاص كمشهد  كرتونيّ
 لا أنزف فيه و لا أموت
أكابر جثة مثقوبة
  أعبر الكون شرارة منطفئة
أو قطعة رخام  نفيسة  لا تلمع
 أحصد كل هذا الأذى
 من دون أن أذكرك ..
أو  احتاجك ..
 أعترف انني كذبت 
توهّمتٌ أن   الحبّ بذور السماء
و أن  المرايا  تحب    أجساد الحزينات
و أن الروح لا تشيخ
و  الماء لا يشيب 
 وفيّ صبور  ينتصب فوق  الأثداء المترهلّة

كان مؤلما أن
 لا تكون دلالة القصيد
 أن   يتجرّد  اسمك   من كل الصفات
فيصبح الغياب لا مرئيا
و  الحياة مسافات للريح
-------------------------------------------

في الشارع الكبير
غبار الزمن
حلم السنين
باعة الورد العاطلين عن العطر
ووجهات المحلات المضيئة
فوضى الشعر والموسيقى
أنفاس المسرحيين
حيث الأشجار القديمة
رأيتها هناك
تنتظر إشارات المرور
تحاول قطع الطريق
تلوح بيديها
تستوقف الراكضين
الكل يمر إلى الرصيف
هي لا زالت........
نسيت أن أخبرها
بأن عمود الإشارات معطل
الشارع الكبير معطل
والرصيف المقابل حزين
--------------------------------------------------------

في خطوات الهروب الأولى
ستفكر بالوقت
ستفكر بالخيبات
و وحشة النفق السفلي
ستختبئ الاحزان خلف نجمات قلبك
وتتقاذفك الاشواق المرّة
تختنق بأنفاس خطوطك المنهكة
يداك متورمتان
شعرك معفر بغبار الطريق
نبضك ينزف في مقبض حديد
غير أن .....
شيئا ما سيولد في داخلك
يحركك بأصابع طويلة
يصرخ وريدك
يتبعك حيث تمضي
حينها ..
لن يخيفك ما وراء ظهرك
لن تبحث عن الضوء
و لن تنتظر الطمأنينة
ستفتح ذراعيك للغيب
حضنك يعتصر عطر البرد
 قلبك حبات ثلج في كأس شراب
و أنت تسمع الموسيقى
يصفر الريح من ثقب صدرك
تستعد لموعد حب
تدرب حواسك بأجنحة مطاطية
تحاول التحليق من أجل نفسك
حول عنقك تفاصيل و غواية
لكنه سرعان ما
يداهمك النوم
فوق الأريكة
فوق البلاط
و أنت مستلق
و انت تمشي
و أنت تأكل
و انت تستحم
فيصير التلفاز لوحة صامتة من دون صور
من دون ألون
تحتلك السكينة و تتصلب الانفاس
لوهلة من أمرك تنمو شجرة في قلبك
تعزف أغصانها صوتك
و تنعكس على ظلال الماء
تبلل تراب الثنايا
تسعل حد الاختناق
تجهد نفسك من أجل تنهيدة عرجاء
تخرج من روحك كالمسامير الرقيقة
في لحظات هروبك الأولى
ستفكر بالوقت
و وحشة النفق السفلي
فتتساقط تجاعيد وجهك
و تحرقك سيجارة نسيتها بين أصابعك
تسألك :
هل من عودة قريبة؟
---------------------------------------

في خطوات الهروب الأولى
ستفكر بالوقت
ستفكر بالخيبات
و وحشة النفق السفلي
ستختبئ الاحزان خلف نجمات قلبك
وتتقاذفك الاشواق المرّة
تختنق بأنفاس خطوطك المنهكة
يداك متورمتان
شعرك معفر بغبار الطريق
نبضك ينزف في مقبض حديد
غير أن .....
شيئا ما سيولد في داخلك
يحركك بأصابع طويلة
يصرخ وريدك
يتبعك حيث تمضي
حينها ..
لن يخيفك ما وراء ظهرك
لن تبحث عن الضوء
و لن تنتظر الطمأنينة
ستفتح ذراعيك للغيب
حضنك يعتصر عطر البرد
 قلبك حبات ثلج في كأس شراب
و أنت تسمع الموسيقى
يصفر الريح من ثقب صدرك
تستعد لموعد حب
تدرب حواسك بأجنحة مطاطية
تحاول التحليق من أجل نفسك
حول عنقك تفاصيل و غواية
لكنه سرعان ما
يداهمك النوم
فوق الأريكة
فوق البلاط
و أنت مستلق
و انت تمشي
و أنت تأكل
و انت تستحم
فيصير التلفاز لوحة صامتة من دون صور
من دون ألون
تحتلك السكينة و تتصلب الانفاس
لوهلة من أمرك تنمو شجرة في قلبك
تعزف أغصانها صوتك
و تنعكس على ظلال الماء
تبلل تراب الثنايا
تسعل حد الاختناق
تجهد نفسك من أجل تنهيدة عرجاء
تخرج من روحك كالمسامير الرقيقة
في لحظات هروبك الأولى
ستفكر بالوقت
و وحشة النفق السفلي
فتتساقط تجاعيد وجهك
و تحرقك سيجارة نسيتها بين أصابعك
تسألك :
هل من عودة قريبة؟

-------------------------------------------------------

ثمانية نصوص للشاعرة التونسية نسرين المسعودي/ تونس Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 14 يونيو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.