البحر الغريب بقلم هيثم الأمين تونس
الثعابين العملاقة الثلاثة،
الأسود المخطط بالأبيض
و الرّماديّان المزركشان بالحفر،
الممدّدة، هي و فراخها، في كلّ المدينة
كانت تسخر من خطواتي القرويّة
و حاولت، كثيرا، أن تهتِكَ بُطأها
و أن تُلبسها تنورة سريعة!
الأضواء التي لم تزر قريتنا،
كانت تزدحم في شوارع المدينة،
كانت تتسوّل من عيوني نظرات خاطفة
و تمسح عنّي
آخر ما علق بي من ضوء نجوم سماء صيفيّة
ثمّ تدسّ أصابعها في أفواه المحلّات الفاغرة
لتتقيّأ سلعها!
المدينة لا تؤمن بغابة الزيتون التي تربّتُ على كتف قريتنا البعيدة.
غابة الزيتون التي تغنّي، شتاءً، للفلّاحين
و ترقصُ، صيفا، للسّكارى حين ينتابهم الصّخبْ.
لهذا
كانت
تبكي بحرارة
تلك الزيتونة الوحيدة في آخر النّاصية
و كنّا نتصافح بحرارة
كلّما جمعني بها ظلّ سريعْ
هي
تشمّ عليّ رائحة أسلافها
و أنا
أعود، لبعض الوقت، إلى قريتنا البعيدة.
تلك المدينة
لا تحبّني
و لا تكرهني أيضا
أمّا أنا
فلا أحبّها
و لا اكرهها أيضا
تلك المدينة
التي عبرتُها في ثلاث سنواتْ
صفّقت لي، قليلا، في اليوم الأخير
و أهدتني ورقة
ورقة دسستها في جيب بيتنا القديم ثمّ اشتغلت صبيّ سبّاك.
و وحده بحر، تلك المدينة، كان يشبهني
كان صامتا طول الوقتْ
و غريبا.. كأنا.
البحر الغريب بقلم هيثم الأمين تونس
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
07 أبريل
Rating:

ليست هناك تعليقات: