قراءة في ديوان سماح بني داود "نار حطبها ثلج" بقلم أحمد قنديل مصر


كيفما كان بناء النص الأدبي ., فهو جسد حي ., لا يعوزه إلا أن ننفخ فيه ومن خلال
مفاتيحه روح الحياة وقوى الحركة ., ونطل منه عليه وبه إليه., ودون أن نصدرحكما
دون التعليل له وتبرير إصداره . يجب أن نعرج على مجموعة من الأدوات البانية لجسد
هذا النص والنافخة في روحه ., ولتحقيق ذلك يجب الالتزام بقناطر موضوعه ., وجسور
ظروف تكوينه ثقافية كانت أو اجتماعية .. إلخ
..
وهنا يشدنا عنوان المجموعة المعنونة بعنوان (نار حطبها ثلج )ْ
هذا الديوان للشاعرة سماح بني داود .. وكيف جاء العنوان كاسرا لأفق التوقع اللغوي ومثيرا
لحافظة التساؤل , إذ كيف يكون الثلج حطبا للنار, وهذا من شأنه أن يشعرنا بأن (سماح)ْ
ليست مجرد ناظمة لحروف الضاد بل تعرف ما تكتب وترسم لنا إضافات ونعوتا لغوية
بكرا ذات مضامين أكثر بكارة.. ْوحتى لا نقع في إيهام العنوان ومدى قربه أو بعده عن
قصائد المجموعة , نعرج على بعض العناوين الفرعية ومدى تناسقها مع العنوان الكبير, فنجد
مثلا على سبيل المثال لا الحصر هذه العناوين لبعض قصائد الكتاب
..
لحاف ليل متمرد .. إلهة أنا.....تمرّد... مجرمة أنا....أتسولك حبا....مجنونة....شيخوخةحرف
..
وكلها عناوين منسوجة من خيط الحطب الثلجي للنار ..تلك الخيوط التي تجعلنا نقف على
موروث الشاعرة وكيف نهلت من ينابيع ثقافتها وتراثها ما جعلنا نقتنع بقدرتها على تلك
الصياغة المحطمة لما كنا ننتظره من بناء الجملة والعبارة التقليدية في معاجم الأدباء
المعاصرين .., فأسلوبها شائق يخلو من الديباجة اللغوية الفارغة، تتوهج فيها اللغة.كماتمتاز
بجيشان العاطفة، والعفوية الجميلة، والبوح الشفاف، والشحنات العاطفية الملتهبة المتشظية،
فضلًا عن البساطة الآسرة، وسهولة الألفاظ، وعذوبة الكلمات،
فنجدها مرة ْْ( منفلتة لأحضان ملاذك)ْ ,ومرة تصفه ب (الملتصق بأجنحة اشتياقي )ْ . ومرة تعلن تفردها كتلك الزهرة المشبعة بالأنا
..
أنا زهرة البسنت
التي تنبت حيث لا أحد
يحط خطاه)ْ
..
مشاكس أنت
على سرير لهفتي
..
فأنت هنا داخلي كأني أرتديك
أو تلبسني
..
فهذا التوحد المعنوي الموسوم بالتداخل اللغوي والمثير لرغبات السؤال يقف بنا عند بوابة
شاعرة تعرف ما تقول وتعني ما تحدثنا به, وتتركنا ندق باقي أبوابها وإطرها الفاعلة
في نصها الأدبي إذ يقف الفعل المضارع الذي ينبئنا عن إصرارها على الاستمرار ولأأنها
تجتر من ذاتها ولا تهتم إلا بأناها
. .
كلما أحاول
أن أصحو منك
ترشني أسئلةبكاء
تغرق روحي في سبات عميق
مشاكس أنت
على سرير لهفتي
..
أربعة أفعال مضارعة في سطرين أو ثلاثة
..
سأرتشف معك نصف قهوتي
كي تلامس شفاهي مكان شفاهك
على الفنجان
فأنت هنا داخلي
كأني أرتديك , أو أنك تلبسني
..
أيضا أربعة أفعال مضارعة في سطرين أو ثلاثة
وفي نص (التحام ) نجد
..
التحام
كشفة عن شفة غيمة
غيمةتسكن غيمة
تلتف الأشجار
يمسك الحلم بأسبابه
وتنقطع الأنفاس
لم يكن ثمة حاجة للأنفاس
يفقد اللسان وظيفته
وترتبك الحواس
حين يمتزج الريق
ويتوقف الوقت بنا
..
ثمانيةأفعال مضارعة
وبنظرة سريعة إلى ديوان الكاتبة نجد هيمنة الفعل المضارع على معظم حقول الأداء اللغوي
لنصوصها مما يشير إلى رغبتها في كسر حواجز الزمن وجدر اللغة الثابتة انطلاقا لما
هو اّت من حياة تتمناها على قدها ومقاس طموحها
-
الشعرية عند سماح شعرية تحطيم الثوابت اللغوية والوجدانية والموسيقية التقليدية في اّن
واحد ., وشعرية المداهمة والمفاجأة النصية والمعنوية - إذا جاز لنا التعبير - فهي تغامر في
عوالمها الخاصة وتكشف عن ذاتها الاّملة وإنسانيتها الحالمة , وليس لمجرد التجريب
فقط وإنما التجريب اليقظ لأبعاد الحياة والفكر والوجدان
-
كثير من نصوص سماح يمكن لرسام أن يستعيدها لوحة تشكيلية متوفرة الخطوط والألوان
والظلال والحس الفني والوجداني
كما اّثرت سماح رسم الصورة الكلية لنصوصها بعناصرها وأجزائها لا تعوزها الحركة ولا
اللون ولا الصوت كما هو واضح على سبيل المثال في نص
:

متيمة أنا بسواد الليل في عينيك
منفلتة لأحضان ملاذك
مبعثرة بين القطر والرذاذ
ألا أيها الريح العطر
الملتصق بأجنحة اشتياقي
التف بي
حتى تقيني لسع الغياب
طيفك يراودني
يكنس الشوق داخل أحشائي
يرميني بين المفارش طريدة
..
فهي صورة كلية تقف فيهاالحبيبة متيمة بين الانفلات إليه .. والتبعثر على وقع القطر والرذاذ
, تعلوها الرياح بصوتها وعطرهاوالتفافها.. وتحتها مفارش طريدة , وفي اّخر الصور
يأتي الطيف المراود والكانس الشوق داخلها , والرامي لها بين مفارش طريدة
-
إنها الصورة الكلية بصوت ريحها ومطرها وكنسها.,
ولون ليلها ومفارشها وغربتها ..,
وحركة ريحها وقطرها
مع إطار من هالات وجدانية وعاطفية تضفي على الصورة شيئا من ليونة الحس
وروعة الانفعال
إنه عمل يستحق القراءة ويحتمل مزيدا من القول لجدته وبكارته وأكتفي بما قلت تاركا
المجال لرؤى أخرى يحتملها بلاشك كتاب سماح بني داود
-
كل التوفيق لك صديقتي سماح
وتلك قراءة سريعة .. لأن الكتاب مشبع ويحتاج المزيد

سماح بني داود

قراءة في ديوان سماح بني داود "نار حطبها ثلج" بقلم أحمد قنديل مصر Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 21 يوليو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.