نشيد آدم أو أغنية اليوم السادس ( من ٧١ حتى ٩٠)بقلم محمد آدم / مصر




[71]

ما هى الحقيقةُ

لا فهمٌ

ولا معرفة

لا أمل

ولا يأس

الفهم والحقيقةُ والمعرفة لا شىء

ومثل بحار أعمى

أتعلق بقصبة

غارقة.

[72]

قرأت كافة الفلاسفة ولم أعثر علي حكمةٍ واحدةٍ

الفلسفة متناقضة بالأساس

والحكمة غائبة عن الكل

باطل الأباطيل

الكل باطل

وقبض الريح

ها هى أحجار السموات تتساقط علىّ ولا قدرة لدى على رفع الأنقاضِ

دائماً

عرتنى الظلمةُ

المدويةُ

وها هى عنكبوتاتٌ ضخمة بحجم السموات والأرض تلتف حول رئتىَّ

وتتصيدلى أخطائى

لم أعد أسمع سوى صلصلة روحى التى تتفتت

ثمة كوابيس غاشية تنتزعنى من ظلمتى الرحيمة هذه

وها هو فجر مبلل بالخديعة يتربص بى

من يقينى من الهاوية التى تتجسدُ؟




[73]

أستمر فى مداعبة البياض والسواد رغم كل شىء

وأتناثر فى الأنحاء

ولا أمسك ولو بغيمةٍ ضالةٍ

فوق سريرى

يتقاتل الألم

والوحدة

لا قمر لدى - سوى النسيان - ليتسلل

عبر الظلمة المدوخة

لا قدرة لدى على الفهم

ولا زمن لى بالأساس

ليس - لى - غير فمى الذى يقبض على كل ما هو باطلٍ وشر

لا أملك غير يدى الكليلتين اللتين تندسان فى الظلمة

ولا تقبضان إلا

على نشارة الندم

والخسارات

أنا وحيد وربما

أشعر بالأسى لهذا الكون..!!



[74]

فى كل يوم

أسير محدقاً فى اللا شىء

وها هى ذى أشجار العدم تصطفُّ على الحواف

ومن كل ناحية تتربص

أنا هو الفعل واللا فعل

آه

يايقين الأعمى؟!

ما معنى الحب أو الموت ؟

ما معنى الوجود والعدم ولماذا حدث ما حدث بالفعل

البداية مثل النهاية

الصعود هو مقدمة الهبوط دائماً

كل هبوط هو بداية لصعود آخر

- ومثلما لكل شىء بداية

فلكل شىء نهاية كذلك -

إنها نفس الدائرة التى تتكرر وتتكدَّس ودائماً

دائماً عبر الزمن.



[75]

السهروردى مثل المسيح

نيتشة مثل بوذا

الحلاجُ يلتقى ببلاطس

الكلمة واحدة

والأفعال شتى!!

وطرق الرب كثيرةٌ ووعرةٌ

لا أحد يصرخ

ولا أحد يعرف ليتكلمَ.




[76]

فى ذاكرتى تتكدس كافة المدن إلى ما لا نهاية

أرتكب حماقات لا حصر لها وأخرج من شارعٍ لشارعٍ ولا ألوى علي شىء

أسأل نفس الأسئلة

وأتلقى نفس إجابات الروح المعطوبةِ

غيوم الروح كثيرة ولا أحد يسمع

مشكاواتى صدئة

وقطارات الروح

معطلة عن العمل

فى كل يوم لى تجربةٌ ولكن بلا من أو سلوى

لم فعلت ما فعلت يا إلهى.



[77]

إيلى

إيلى

لم شققتنى؟!

أما من حلٍ لهذه المعضلةِ

أى معنى لهذا العالم الذى يتكور ويتكدس إلى ما لا نهاية

أية حقيقة تكمن فى مطاردة الليل للنهار

ومطاردة النهار لليل؟

ماذا يعنى العجز الكامل للروح

وماذا تعنى الشيخوخة الكاملة لهذا البدن؟

ماذا عن تعب يدي

وما هو عملُ كل هذا النهار؟




[78]

ما معنى كل هذه الحروب التى بلاطائلٍ

ما هى غاية التاريخ

وما هدف كل هذه المذابح المدوية؟

أأنت فعلت الشر؟

هل قدَّرت الإثم الخالص للروح

ومثلما فعلت الخير المحض

قدرت الشر المحض؟



[79]

هذه السنوات تمضى بلا هدف أكيد

أين يكمن اليقين وما هى مادته

ما عادت الروح تبصر

القدم عمياء!!

والقلب فارغٌ والروح معاديةٌ

كيف أبدد الظلمة الشاهقة حول روحى التى تكتظ.




[80]

أنا بئر العطش الممتلىء باللا معني

أنا صَدَفَةٌ عاثرة الحظ

وممتلىء بالتفاهة حتى النخاع

أنا الغيبوبةُ الكاملةُ للجسد فى ديمومة الروح الهاربة وغيبوبة الروح

الكاملة فى أزلية الجسد المتوحش

أحدق فى الهاوية فلا يتردد إلا صدى القاع

أنفِّض التراب عن جسدى

فلا أشم سوى رائحة الموتى

فليشرق السلام على نفسى

ولتحل البركة

على حجارة روحى المتآكلةِ

أنا شجرة المتاهة التامة التى تدوم وتدوى إلى ما لا نهاية

أسند الظلام إلى ظهرى

وأبدأ صفيرى الحادَّ فى الخلاء الضخم

ولا أحد معى

فى جعبتى يسكن طائرُ النسيان

ولا مجد لى

على شفتى يسيل كرسى العدم المتحرك

ولا أحد يدرك.




[81]

أنا الأسئلة التى تبحث عن إجابات الروح الهرمة

كيف أعبر عن ظمأ روحى؟

كيف أكتب عن يقين نفسى التى تنحلُّ؟

أنا شجرة - النسيان - الغارقة فى العزلة

وأنا يقين الأرصفة الأعمى؟



[82]

أين أنت يا أبى؟

لم فعلت بى ما فعلت؟

أنا الضالُ الذى فقدت

أنا الحكمةُ الطائشة التى قدرت

أنا الشجرةُ الجافة

التي أحرقت

أو أهلكت

أنا...

نهرك الوحيدُ الذى ما عبرت

أنا ثمرتك الحامضة التى تقيأت

لم فعلت بى ما فعلت

أنا صحراواتك الواسعةُ من الملحِ الشاسعِ التي ما تخيلت

فلم فعلت بى ما فعلت؟




[83]

 أنا العابر الأبدىُّ فى الفراغ الغويط

أنا الغارق فى الوهم والتفاهة

والقابض على الضلال الكاملِ

والعدم الراسخ حتى النهايات ولا خلاصَ لى

أنا الممسك بيدين

ضالتين

على جمرةِ اليأس هذه

أنا عابر السبيل الأبدى والعائد من الجحيم دائماً ومعى أغنياتى التى

تشبه البرازَ

أنا السائل المنوى الذى يتخمر فى الأنابيب البلاستيكية وأكياس النايلون

وثلاجات الدوائر الحكومية فى نفس الوقت

ما هو متاعى الحقيقى من هذه المهزلة

آه

من طول الرحلة

وقلة الزاد!!

[84]

كيف حدث ما حدث

لم أعد أذكر

كانت ظلمة

وكان الربُّ واقفاً وكنت هناك على وجه الغمر مثل قشةٍ

أحفظ أسماء كل شىء

قرأت كل اسم

وحفظت كل حرف

دونت أسماء كل نهر

وعرفت معنى

كل لون

الأنهارُ والبحارُ الأشجارُ والأمطارُ الجبالُ والمحيطاتُ

- كنت قريباً للرب وكان الرب - نفسه - قريباً منى

أحصيت كافة النجوم

وتسللت إلى كافة المواقع

فى أزمنة الروح تجولت وانحللت

لا معنى للماضى

ولا يقين للحاضر

الزمنُ نفسه وحده

الزمن لا شىء

والحركةُ كل شىء.


[85]

متى تستقر هذه الروح الخربةُ التى تعمل بداخلى ومثل حشرة بسكاكين

كيف أقبض على فراغى الذى ينهمرُ

ويأسى الذى ينمو؟

لماذا يحدق الموت دائماً فى وجهى

ويتشمم رئتى

ويتحسس جبهتى

ويتلصص علىَّ كالذبيحة

وينام تحت أرنبة أنفى

- محركاً ذيوله الخشبية أمام عينىَّ -

أيتها الروح التى تصرخ كالدببة

أيتها السموات التى تنوء كالضحايا!!

لم َيصاعد الدخان عالياً

وتعلو ألسنة اللهب حتى القبَّةِ؟!


[86]

سأجتر مراراتى الليلية

وأعد خيباتى التى لا تحصى

أنا شجرة النعاس الفضفاض

وحديقة الموتى

المسننةُ

أنا كرة الروح العمياء

وهواء الندم المبهور بالعدم

أنا نشاز الزمن الذى يكنس كل شىء وأى شىء

أنزل ضيفاً على الجحيم دائماً

وأتشبث بأحجار الروح

المسيجة بالأساطير

واللا معنى.



[87]

اصنعوا لى صنجاً من الريح لأغنى

اجلبوا لى

بخوراً من الأصقاع البعيدة لأضرب علي طبلة الأفق بأصابعى

بأبواقى الكثيرة سأسمعكم خراب نفسى

ها هى الأشجار تتنصت

وقصبة الريح تعوى

أريد أن أسمع أناشيد الليل الدفاقة

ومثل حصاة ناتئة فوق جبل

أقف لأتفرج على خساراتى التى لا تتهدد

وتحت سماوات بمخالب

أدلدل رجلىَّ

- فى الفراغ الغويط -

ولا أحد يرى أو يسمع

أدق طبولى أناء الليل وأطراف النهار

ولا أحد يبصر

من كان له عين فليأت

من كانت له أذن فليسمع وهذا هو

 ختامُ الأمر كله.


[88]

لنتحد بالسماء والأرض

بنعمة الضوء التى لا تقهر

بحقيقةِ

وجودنا على الأرض

- فى العالم -

لنتحد

بكل ما له من معني

بالشجر والجبال

الحصى والرمل

بالظمأ وقطرة الماء

بالنعمة

وبؤس الأمل

لنتحد..

بسنواتنا الضالة

وأنهارنا الجامدة

وأنتِ

يا بذرة الليل الشفافة ويا شمس الربيع النديان

كلماتنا التى نطلقها عبرالرغبة الخالصة والحنين الغامض

تتوقف عبر محطات الألم الخالص

لتصبغ الليل بالألفة

ولتصنع النهار بالحكمة

والمعرفة الحسنة

ربما يعنى الميلاد موت شىء آخر

ربما يعنى الموت ميلاد حياة جديدة

ما هدف هذا النور؟

ما غاية تلك الظلمة؟

لنتحد بكل ما له من معنى

لنتحد بالأمل واليأس

لنتحد بالحقيقة والموت

بالليل

والنهار

وأنت - أيتها السيدة - يا صانعة الرغبات الحارة والأنهار اللامنهزمة

أنت النعمة الخالصة

واليقين الأكمل

- حتى أطراف أصابعك كلها شهوات -


[89]

بحثاً عن الرغبة الأكيدة

بحثاً عن الأمل المنبعث

بحثاً عن السلام المر

بحثاً عن النور الخالد

والظلمة الغاوية

بطرق الروح المتجددة

على صناجة المادة الخشنة

إلى أى مكان سوف نمضى

إلى أين تأخذينا يا سفينة الريح

أتوجس من كافة الينابيع

وأخاف من نجمة الصبح

التى لا تطلع.



[90]

لا علم لى

ولا أعرف ما هى الحياة الحقة ولا ما هو شكل العالم

ما هي الخفة الكاملة لهذا الكائن الذى لا يحتمل...

وأين يكمن الشر المطلق؟

ما هي غاية الخير المحض؟

وماهو هدف الشر الأخير؟

ليس ثمة شىء

أمور كثيرة سوف تحدث

حقائق كثيرة سوف تتغير

المعرفة عسرة

وطرق الرب كثيرة ووعرة

والفهم

أبعد منالاً من العقل.








نشيد آدم أو أغنية اليوم السادس ( من ٧١ حتى ٩٠)بقلم محمد آدم / مصر Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 28 فبراير Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.