طائر_المقبرة_الأسود ....إيفان عقل أيفانيتش / بولندا






كان يمشي مع أحزانه الثقيلة في مقبرة السماء، أسراب كبيرة متوحشة من الألم تكتسحُ سماء قلبه، ومع ذلك ما زال يتحمل ويضحك دون مبالاة، سُحبٌ حمراء من الذكريات قفزت من أرض الخيال لعقله السوداوي، تحاول أن تذكرهُ بالماضي الزائل.

ونجحت في ذلك وتوقف مايكل عند غرفة صغيرة مفتوحة من جميع الجهات ومن دون سقف يحمي تلك الأجنحة التي سيرتديها مايكل، أجنحة بسيطة مكونة من حبل طوله مترين، وناصية خشبية صلبة قد بُنيت من الخشب الزان العتيق.

جاء من الأفق الحمراء البعيدة الملونة من أشعة شمس الغروب طائر الغراب الكبير، من دونِ صوت أو حتى وزن توقف بقرب مايكل يشاهده وهو يبكي دموع سوداء تتقاتل معه، حتى اكتسحت سماء الأرض الممزقة من وزن أحزان مايكل.

توقف صوت العويل المرعب الخارج من قلب مايكل فجأة، وعم الصمت الشبيه بالراهب الأسود كل المكان، وبدأ مايكل بالتحدث مع نفسه بشكل هستيري مرعب جدًا ولا يستطيع أحد تصور ما كان يفعل، كان يروح هنا وهناك ويقفز ويتدحرج على الأرض، وتارة أخرى يضرب بيده الحائط الكبير، وتارة يصمت ويتوقف دون حراك، وهكذا حتى عمّ التعب كامل جسده.

لأول مرة في حياته كلها يصاب الغراب الكبير بالرعب والخوف، فنعق بصوت عالٍ قائلًا: تعالوا، تعالوا، تعالوا.
قامت الجثث الهامدة من قبورها، والأشجار الميتة التي سقيت بدماء الشياطين، وجاء جيش كامل من الغربان وتوقفوا جميعًا على نغمة سمفونية مرعبة تخرج من دقات قلب مايكل، وبدأوا بمشاهدته جميعًا دون أن تقفل عيونهم. ارتدى مايكل الأجنحة المعلقة على ناصية الخشب ووقف على طاولة صغيرة تتحمل وزن أحزانه.

أصبح مايكل الآن مستعدًا للتحليق في الجو والطيران عاليًا إلى عنان السماء، لكن أوقفه الغراب الكبير وهو يرتجف قائلًا: أرجوك لا تفعل ذلك، هل ترى حياة الموتى الذين حولك؟ هل تشاهد الندم والخوف في قلوبهم، لا تفعل هذا، وفك حبل المشنقة عن عنقك وعُدّ من حيث ما أتيت.

-هل تعتقد أنني على قيد الحياة الآن؟، لا يوجد حياة هنا، لقد مشيت في جميع جنائزي السوداء، ولا بأس بواحدة أخرى وأخيرة أذهب بها إلى اللامكان المحتوم، أحلق عاليًا بين نجوم السماء الحمراء، هل ترى يا أيها الغراب كيف منظر السماء الآن! مُشع باللون البرتقالي النقيّ دون أن يلوثه دخان المدن. يكفي ذلك لا أريد شيئًا الآن سوى الطيران.

وطار مايكل من على الناصية الخشبية، وارتفعت قدماه عن الأرض عاليًا دون أن تعود مجددًا، وأصبح فجأة الحزن يخرج منه بشكل مرعب من جميع جسده، أخيرًا أصبح مايكل حرًا طليقًا.

وقال غراب المقبرة الأسود: لقد حلق هذا الطفل، نعم لقد حلق هذا الشجاع. وعادت الجثث الهامدة لمكانها فرحة من مشاهدة هذا العرض، والأشجار الميتة والدم الأسود، كله عاد لمكانه الخاص، وطار الغراب إلى غروب الشمس الذي يتوارى خلف صليب الكنيسة وهو ينعق بصوت عالٍ ويقول: هذه ليست الحياة. وأشرقت الشمس. وحلق صقر ناعس على ارتفاع منخفض فوق المرج، وكان النهر عابسًا وفي بعض الأماكن هوم الضباب، أما على الشاطئ الآخر، فوق التل، فقد امتد شريط ضوء، ولمعت الكنيسة، وفي بستان السادة صاحت الغربان بضراوة.
 

#النهاية
طائر_المقبرة_الأسود ....إيفان عقل أيفانيتش / بولندا Reviewed by مجلة نصوص إنسانية on 15 يونيو Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.