حذاء قديم مازال ينهش ذاكرتي بقلم عبد الرحيم ناصف المغرب
كنا ننتعل صندل البلاستيك ننتعله كرمز كان يشكل جزءا من شيء يجمعنا. رمز لشيء يخفف وطأة هذا العالم الذي مازال يتقاذفنا..
كان الأمر ليستمر هكذا ..لولا ظهور الأحذية في المؤسسة. أحذية لم تكن تباع لا في الأسواق و لا في الدكاكين. أحذية لا تشبه أي ماركة أحذية معروفة عندنا في ذاك الوقت.
كانت "صبابط ولاد الخيرية" بمعنى مصنوعة خصيصا لنا، في مصنع للأحذية يوجد داخل الخيرية، ويشتغل فيه "ولاد الخيرية"...
عن لمدير الخيرية في ذلك الوقت أن يستمر في سياسة " الانفتاح"، أي سياسة التخلي عن "لباس الكاكي" و الصندل البلاستيكي و تعويضه بألبسة أخرى. نعم زي موحد، لكن على الأقل بألوان مختلفة و أحذية..
هكذا بدأ الأمر، تكلف مهمل " الخياطة" بخياطة القمصان و " سراويل البالما" وكذا " جاكيط الدجين"..بينما تكلف معمل الأحذية بصنع الأحذية ..لولا تفصيل بسيط..
تفصيل لم يكن مهما، لكن عقلي الصغير ذاك الوقت لم يستوعبه.
عوض صنع الأحذية فقط؛ ربما تدخل رجل اعتبر نفسه ذكيا، فأمر بصنع الأحذية بمقاسات كبيرة و أما المقاسات الصغيرة فتم تحويلها إلى...صابوات "souliers"..
و لأنني كنت صغيرا جدا، وكانت قدمي من أصغر المقاسات في المؤسسة فقد قدر لي أن أنتقل من "الصندل" إلى ..الصابو..قدر قررت رفضه بكل بساطة.
و مثل كل الأشياء الأخرى..عدنا إلى لعبة القط و الفأر، وظهرت "الكروا" و "مسعودة" من جديد لإرغام طفل على انتعال...الصابو.
فعلوا كل شيء لإجباري على انتعاله.....و فعلت كل شيء كي أحصل على ..حذاء رغم أنف الجميع.
حين تسلمت أول صابو في الثالثة ابتدائي، عوض أن أبكي أو أحتج، انسحبت حاملا خيبتي و فردتا الصابو. الآخرون كانوا فرحين جدا. إنه دلالة على الانتقال إلى مرحلة أخرى..بلغتنا إلى "مصلحة جديدة" . المصلحة التي تتشكل من أطفال مستويات الثالث و الرابع و الخامس ابتدائي.انسحبت و بكل بساطة مزقت الصابو الجديد و عدت لأعيده إليهم.
و كنت مستعدا لـ..الفلاقة و "مسعودة"..طالما كانت الفلاقة المحطة الأخيرة لحل أي إشكال..سوى في حكاية " الصابو"..كانت مسعودة مجرد بداية..و كنت في هذه الرحلة أكتشف داخلي عنادا لا حدود له، لا قاع للبئر التي أستمده منها. من مسعودة و الفلاقة، مررنا إلى مرحلة العودة للصندل البلاستيكي. كلما منحوني زوجا من الصندل، أمزقه بقطعة زجاج، وكان الزجاج عملة متوفرة، ثم أعيده إليهم منتظرا ..الكروا، مسعودة..
في سنة واحدة مزقت ثلاث أزواج من " الصابو" و زوجين من الصندل...لأحصل على حذاء.
كانت " مليكة شباب" معلمة اللغة الفرنسية تراقب حكاية أقدامي مع..الصابو و الصندل الممزقين دائما..و ظلت صامتة أول الأمر..
حين تطور الأمر بأن تحول إلى منع من الصندل و الصابو..وهو ما أفرحني،...بقيت حافيا و لم يشكل الأمر لدي أي إزعاج...
مضى أسبوعان و أنا أعبر العالم بقدمين حافيتين. رافضا بعناد يليق ب"أحمق" أي محاولة لإرغامي على انتعال الصابو..أو العودة إلى الصندل..
خلال الأسبوعان ،و بحكم أني أحمل "الميخالي" كنت أتدبر أمر "أقدامي". أفتش في صناديق القمامة عن .."أفرشة الكلاكيط" التي ظهرت في ذاك الوقت، أخيط لها قطعتي ثوب "دجين" ..و ها أنا أنتعل " صندلا" غريبا...
ثم تدخلت "مليكة شباب" و اشترت لي حذاءا جديدا..
لكن لم تنته الحكاية.
حذاء قديم مازال ينهش ذاكرتي بقلم عبد الرحيم ناصف المغرب
Reviewed by مجلة نصوص إنسانية
on
04 أغسطس
Rating:
ابكتابة مثل التحليل النفسي لا يبدأ الكاتب المحترف إلا إذا استطاع أن يكتب إبداعيا وفنيا معاناته المخزونة في تلافيف الذات والدماغ ...أجاد الكاتب في حكاية الحذاء ...كل التشجيع
ردحذف